بل السؤال: هل سيحتفي هو بك؟ صلى الله عليه وسلم 

إنه شهر ولادة الحبيب، شهرٌ فيه هاجر، وترك البلد القريب.. وفيه وفاتهُ، يوم عمّ الأرض ظلامُ المغيب.. 

أحداثٌ غيّرت وجه الدنيا، وقدّمت للإنسانية نموذجاً به يُقتدى، وإماماً يُفتدى، ومجتمعاً به يُحتذى..

نسترجع تلك الوقفات التاريخية لنسأل: بمن نحتفل؟ ولماذا ؟ وكيف؟ وهل نحن سبب احتفاء وفرح صاحب المناسبة إذا ما عُرضت أحوالنا عليه؟

كُلٌّ يطرح على نفسه هذه الأسئلة.. وعلى انفراد..

خرجَ عمر رضي الله عنه ليلةً يحرسُ الناس، فرأى مصباحاً في بيت، وإذا عجوزٌ تنفش صوفاً، وتقول: 

على محمّد صلاةُ الأبرارْ صلى عليه الطيبون الأخيار

قد كنتَ توّاقاً بكّاءً بالأسحار يا ليت شعري والمنايا أطوار

هل تجمعني وحبيبي الدار؟!

فجلس عمر رضي الله عنه يبكي من شوق تلك المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وتابعيّ جليل ما كان يأوي الى فراشه إلاّ وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى أصحابه، يسمِّيهم ويقول: هم أصلي وفصلي، وإليهم يحنّ قلبي، طال شوقي إليهم، فعجل ربّ قبضي إليك، حتى يغلبه النوم!

هل فعلتها يوماً، وأنت في خلوتك، على انفراد؟! هل تحفظ أسماء من صحبوا نبيّك؟ هل تعتبرهم أصلك وفصلك، ومدعاة فخرك؟

هل أحسست بحنين إلى رسولك؟ هل تذكّرت فضله عليك، ورحمته بك، وإحسانه إليك؟ 

هل اشتقت إليه؟ هل سألت نفسك لو كان يعيش بيننا كيف ستكون؟ 

لو زارك فجأة في بيتك، وأنت مع والدتك أو زوجتك وأولادك، هل ستسرّه حالك؟ هل ستخبره بشوقِك، واقتدائك، أم ستسرد عليه أعراض شقائك؟ 

هل ستبوح له بحبّك؟ وإذا سألك: وما علامة هذا الحب، هل أعددت الجواب؟ 

إن طلب منك أن تجلس وتروي عليه من حفظك عنه، هل أنت مستعد؟

لو أنه ذكّرك بحديث له صلى الله عليه وسلم، فقال:

(مِنْ أَشدّ أمتي لي حباً ناسٌ يكونون بعدي، يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله)، ثم سألك: هل راودك يوماً هذا الشعور؟ هل وددت فعلاً أن تراني، وكنت من أشدّ الناس حباً لي؟

قد علِمنا عنه كل صغيرة وكبيرة، فهل سيسرّك لو علم عنك كل تفصيل من تفاصيل حياتك؟ 

تراه سيفرح بك، أم سيحزن على ادّعائك له المحبة والاتّباع؟!

إن كنتم ممن تعدّون أنفسكم لحضور حفلات المولد النبوي الشريف، وتشنيف الآذان بالمدائح والقصائد والكلمات، فأرجو منكم قبلها أن تقفوا لحظة صدق، وعلى انفراد، وتجيبوا عن هذه التساؤلات: 

بمن هذا الاحتفاء؟ ماذا قدّم المولود الشريف لهذا العالم؟ 

هل تعرف قيمة الرسالة كما تعرف قيمة المُرسَل ؟! 

ما هي رسالتك أنتَ؟ 

هل بمولدك أنتَ، وبمولدك أنتِ، أضفتما شيئاً للحياة، كما أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 

لقد سألت الله في دعائك شفاعته، فهل صُنتَ وديعته؟! 

إنّك لا شكّ ترجو الله واليوم الآخر.. فهل التزمت طريق النجاة في قول الله تعالى: 

(لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)!

هل أنت مُستثنى من قول الله تعالى: 

(إلا تنصروه فقد نصره الله)؟!.. أم أنك معنيٌّ بنصرته في زمن الإساءة والتطاول؟ 

هل صدّقته في زمن التكذيب والتشكيك؟ 

قد علِم الله ما يحزنه.. فهل أسعدته أنت: بقولك، ومواقفك، وانحيازك للحق ضد الظالمين؟!

(قد نعلمُ إنه ليحزنك الذين يقولون، فإنهم لا يُكذّبونك، ولكن الظالمين بآياتِ الله يجحدون)!

هل سألت نفسك.. على انفراد: ما بالُ الرحمة قد نُزعت من القلوب؟؟! 

لعلك تجدها في أمره تبارك وتعالى: 

(وأطيعوا الله والرسولَ لعلكم ترحمون)..

هل أوقفت نفسك عند تحذيره جلّ وعلا في قوله: 

(وأطيعوا الله والرسولَ واحذروا)؟!

فوا عجباً لفردٍ كيف أحيا أمّةً كانت هباء في الورى لم تُحسبِ

اللهُ أعلى قدرها بمحمّـدٍ وانالها شرفاً عزيز المطلبِ

تلك هي الجلسة التي نريد أن نتذكّر من خلالها مولد نبينا صلى الله عليه وسلم، كلّ على انفراد، نسأل أنفسنا، ونأخذ منه الجواب: عن أحوالنا في بيوتنا، مع أهلنا وأصحابنا، في مجتمعنا، ومع من يخالفنا..

ذلك أنّ الاقتداء لا يعني مجرد الاحتفاء، وأنّ الادّعاء، يحتاج إلى أداء..

فاقتضى التنبيه، ووجب التقويم، مُهدين إلى رسولنا، في كل وقت وحين، أزكى الصلوات وأتم التسليم..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين