معركة الاحتفال بالمولد

لاحظت أمراً غريباً في الاحتفال بذكرى المولد النبوي، فالذين يُحْيونه بالموالد والمدائح وحلقات الذكر والنشيد يبدؤون بالاستعداد له والتواصي به قبله بأيام، وفي وقت مشابه يبدأ الفريق الآخر بالاستنفار والاستعداد للإنكار. فكأن الأمر صار عند الطرفين عادة: الاحتفال به على تلك الصورة عند أصحابه صار أقرب إلى العادة الاجتماعية، والمبالغة في محاربته وإنكاره عند خصومهم صار أقرب إلى العادة الثقافية! فالعادة تدفع هذا الطرف للعمل وذاك للإنكار، من غير أن يَزِنَ أيٌّ منهما الأمرَ بالميزان الشرعي الدقيق.

ولو حاكم الأوَّلون عملهم لوجدوه إضافة إلى الدين، لم يُسمَع عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم ولا صنعوه ولا دعَوا إليه، فهو عمل صالح في أصله يدل على محبة النبي عليه الصلاة والسلام، إلا أن عمله بتلك الصورة وكسوته بكساء الدين فيه نوع من الابتداع، والابتداع في الدين يُذَمّ ولا يُشكَر، فلَيْتَهم تركوه.

ولو حاكم الآخرون عمل الأولين لوجدوه أمراً هيناً لا يحتاج إلى أكثر من نصح رقيق وتذكير رفيق، وهو أقل وأهون من أن يستدعي ذلك الضجيج الهائل والإنكار الواسع. ولا ريب أن التفرق والتباغض والخصومة بين المسلمين من المحرمات، بل هي من الشرور الكبيرة، فهل من الحكمة دفع بدعة هيّنة بشر كبير؟

فيا ليت الطرفين يسمعان، ولن يفعلا! ليت المحتفلين يتركون شعائر الاحتفال الموروثة المذمومة ويجعلونه -لو شاؤوا- مناسبة دعوية ثقافية يذكّرون الناس فيها بسيرة نبيّهم ويدعونهم إلى التأسّي بها في الحياة، وهذا عمل صالح يُمدَح ولا يُعاب، وليت المنكرين يتركون حملاتهم الشعواء على الموالد والاحتفالات ويصرفون جهدهم في الدعوة والتعليم والإصلاح.

هدانا الله لما يجب ويرضى، وصلّى الله على خير الخلق وخاتم الأنبياء المبعوث رحمةً وهدى للعالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين