فلسطين .. ودور الجغرافيا في صناعة التاريخ

في كتابه (الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان) الذي صدر عام ١٩٧٧ عن دار النهار، يركز زين نور الدين زين على أهمية الجغرافيا وأهمية الدور الذي تلعبه في فهم التاريخ فهما واعيا، وأهمية الدور الذي يلعبه الموقع الجغرافي في مشكلات العالم.

ويوم كان الرئيس الأمريكي روزفلت يهم بتوجيه خطابه الشهير في شباط ١٩٤٢م ، وجه المعلق نصيحة إلى المستمعين في الولايات المتحدة، وفي كل العالم، بضرورة أن يتابعوا الخطاب وبيدهم خريطة العالم.

ومنطقة الشرق الأدنى؛ التي تشمل بلاد الشام (سورية التاريخية)، والجزيرة العربية التاريخية [وتضم الآن: السعودية، اليمن، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين]، وبلاد ما بين النهرين (Misopotamia)؛ تعتبر من أهم المواقع الجغرافية الاستراتيجية في التاريخ؛ قديما وحديثا؛ ولعل نظرة في العبارات التي كانت تطلق في وصف المنطقة في القرن التاسع عشر، مثل: «جسر إلى آسيا» «طريق حيوي للإمبراطورية البريطانية» «الشريان الرئيس للمواصلات بين أوروبا وآسيا» تظهر لنا تلك الأهمية البالغة لهذه البقعة الجغرافية. كما أنه لا توجد بقعة أُخرى في الدنيا كلها وقعت فيها حروب على أرضها، وعبرت شعوب ثم عادت لتعبر ثانية فوق أرضها، كمنطقة الشرق الأدنى، فهذه المنطقة كانت أبدا ساحة معركة للجيوش، كما أنها كانت معتركا للفكر.

إن جميع الآثار التاريخية في الشرق الأدنى؛سواء كانت أبنية، أم أنصابا، أم هياكل، أم قبورا، أم نقوشا؛ جميعها علامات بارزة لفاتحٍ، أو لقاهرٍ، أو لقادم من أوروبا، أو من الجزيرة العربية، أو من أواسط آسيا. وبالتالي كان الكاتب الألماني (أرنست جاخ) مصيبا عندما كتب مقالا في جريدة (دوتشيه بوليتيك) الصدارة بتاريخ 22 كانون الأول 1916م، يقول فيه: «إن الحرب تأتي من الشرق، والحرب ستندلع بسبب الشرق، وتحسم في الشرق».

من هنا نفهم ما قاله الزعيم البريطاني تشرشل يوم كان كولونيلا في الجيش البريطاني: «إذا كانت بريطانيا ترغب في الحفاظ على سيطرتها في الشرق ينبغي لها، بشكل أو بآخر، أن تُدخِلَ سوريا ومصر في نطاق نفوذها وسيطرتها». وهو طبعا يقصد سوريا التاريخية، أي: بلاد الشام. 

ومن قبله، في سنة 1860م، كتب السير هنري بُوْلْوُر (Buluer)، السفير البريطاني في اسطانبول يومها إلى اللورد ج. راسل (Russel) وزير الخارجية البريطاني يقول له: « .. تعلمون سيادتكم أن سوريا كانت دائما تعتبر؛ لدى أولائك الذين أنشأوا امبراطوريتهم في الشرق؛ المرتكزَ الخاص الذي يبنون عليه أي تخطيط عتيد للفتوحات الشرقية، فهي في الواقع حلقة اتصال بين إفريقيا من جهة، وآسيا من جهة أخرى». وأيضا يقصد بسوريا بلاد الشام.

هذه المقدمة لا بد منها لفهم خلفية الصراع القائم اليوم في بلادنا، والذي تعتبر فلسطين قلب بلاد الشام محوره.

فمن جملة الحروب التي قامت على إرض الشرق الأدنى ما عُرف بالحروب الصليبية (حروب الفرنجة) والتي كانت القدس قبلتها، والتي انتهت في القرن السابع هجري، الثالث عشر ميلادي، بامتصاص تلك الحملات وتشتيتها وإنهائها على يد جيوش الناصر لدين الله صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين.

ومن ثم عادت هذه الحروب إلى الاشتعال من جديد في مطلع القرن التاسع عشر مع تفكك وضعف الدولة العثمانية وصولا إلى إقصاء السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909م عن الحكم لأنه لم يوافق على فكرة إقامة الدولة اليهودية القومية في فلسطين. هذه الدويلة التي تهدف في الحقيقة إلى ضرب العالم الإسلامي في القلب، وقلبه بلاد الشام، وعلى الخصوص بيت المقدس.

ونحن في ثقافتنا الإسلامية عندنا عدد كبير من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تشرح أن (عقر دار المؤمنين بلاد الشام). وقلب بلاد الشام فلسطين وقلب فلسطين القدس الشريف، أو: بيت المقدس. لذلك كان الهدف كان الهدف المرحلي الأول الممهد لتمزيق العالم الإسلامي واحتلاله هو السيطرة على الشرق الأدنى وانتزاعه من يدي العثمانيين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين