ماهي أسباب خلافات الفصائل في الثورة السورية؟

الاختلاف هو المحرك الأول للبشر في مجالات الإبداع والحضارة، ثم تأتي الحقيقة التي لا مفرّ منها إلا بالتسليم لها، وهي أن الاختلاف بين البشر سنّة كونية لا ترتفع، ولا تنتهي، حتى فناء الدنيا، واقرأ إن شئت قول الله في القرآن: ” ولا يزالون مختلفين”.

وللاختلاف خمسة أنواع شائعة متعارف عليها عالميا هي:

1-الأسباب شخصية: تحكمها العواطف والمطامع والظروف الخاصة لكل شخص.

2- القناعات: كل شخص لديه مجموعة من القناعات، وتباين القناعات سيؤدي لحصول الاختلافات.

3-سوء المعلومات: سواء بتلقيها من مصدرها، أو بمعالجتها بعد التلقي، كالفهم الخاطئ.

4-تداخل الصلاحيات: عدم تحديد واجبات وحقوق كل فرد بشكل واضح، ما يؤدي إلى حصول حالة من التعدي بين الناس.

5-البيئة الضاغطة: الظروف الخارجية، والأشخاص البعيدين عن المشهد اليومي بإمكانهم التأثير علينا بما يهزّ استقرارنا النفسي، فيصنعون لنا حالة من التوتر.

فلو أسقطنا ما سبق من تحليل لأسباب الخلافات على خلافات الفصائل السورية لوجدنا أنه بإمكاننا استبعاد سبب اختلاف القناعات، فالكل يعلم السقف الذي لن يسمح له المجتمع الدولي بتجاوزه، والكل يسعى لذلك السقف بالطرق نفسها من التفاوض مع الدول، وتقديم التنازلات مقابل تحصيل المكتسبات.

فبعيدًا عن الخطاب الديني الإعلامي الموجه للعناصر الذي هو دافع لهم لتنفيذ الخطط المتفق عليها مع الدول، ستجد أن هذه الاتفاقيات طبقت على الأرض بحذافيرها، وإن كان ما يبثه الإعلام خلاف ذلك.

بإمكاننا أيضا استبعاد سوء المعلومات، لأن كل الفصائل تعرف بعضها بشكل جيد، نظرًا لتجاورها الجغرافي، ولأن قياداتها من أول الثورة للآن ما تغيروا، وبالتالي الكل حفظ الكل.

يبقى لدينا الأسباب الشخصية، وتداخل الصلاحيات، والبيئة الضاغطة.

1-الأسباب الشخصية:

عمل البعث على مدى أكثر من خمسين عامًا على تكريس نظرية الأب القائد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولن تستطيع الثورة أن تغسل ذلك ببضع أشهر وسنوات، وهذا ما أدى إلى تضخم الأنا عند البعض من المهمشين اجتماعياً قبل الثورة، ثم فجأة وجدوا أنفسهم يستلمون السلطة التي طالما اشتهوها بعطش شديد! ولا تُحَل هذه المعضلة إلا بإقصاء حقيقي لأصحاب الأنا المتضخمة.

2-تداخل الصلاحيات: المنطق يقول إن كل شخص أو مؤسسة أو فصيل له اختصاصه، وقد علم كل أناس مشربهم، لذلك يفترض في الثورة أن نسير بمجموع الجهود (حالة مثالية) أما الحقيقة أننا بسبب التداخل والفوضى نسير بفرق الجهود (حالة واقعية).

3-البيئة الضاغطة:

تضغط المخابرات الدولية على فصائل الجيش الحر عبر الدعم، وأيضًا تضغط المخابرات على الفصائل المؤدلجة عبر المنظرين والإعلام الموجه لقواعد هذه الفصائل، وهذا الضغط الخارجي يولّد احتقانا عند الجهة المستَهدَفة تفرغه باختلاق المشكلة مع الطرف المقابل هروبًا منها إلى الأمام.

الثورات لحظات فارقة بتاريخ الشعوب، وهي أشبه باللقاح الذاتي للشعب ضد هجمات فيروسات وجراثيم طاعون الاستبداد، وكلنا نعرف أن للقاح أعراضًا جانبية تشبه في بعضها أعراض المرض لكنها أخف، ثم سرعان ما ينهض الجسم بمناعة أقوى من قبل، ولذلك ما نراه من أخطاء ومشاكل في الثورة هو أمر طبيعي، رغم قسوته، وأهون بكثير من ضريبة البقاء تحت نير الاحتلال هكذا نظام لسورية منذ عقود.

المصدر: موقع حبر

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين