آداب الرسائل الفورية وما يماثلها

هناك كثير من البرامج على أجهزة الهاتف تمكن أصحابها من إرسال رسائل فورية مجانية إلى من شاؤوا مراسلته وتوفر عندهم رقم هاتفه، وقد انكبَّ الناس على هذه البرامج، وفي مقدمتها برنامج واتساب، فصارت ديدنهم ومحور حياتهم ومصدر معلوماتهم، ولكنها أضحت في الوقت ذاته مضيعة للوقت لا يقاربها مضيعة، وأكبر مصدر للتفاهات والترهات والأقاويل والغيبة والنميمة، إلى جانب تداولها الأخبار الكاذبة المزيفة، والمبالغات الفارغة المتبجحة، والنصائح الطبية ووصفات الأدوية التي لا تقوم على أساس صحيح من العلم الطبي والتجربة الصيدلانية، كذلك أضحت هذه الرسائل ومرفقاتها من الصور والفيديوهات مصدراً للفسوق والعصيان عند من لا خلاق له من دين أو أخلاق، ولذا فعلينا أن نستعملها بوعي كامل وتحكم قوي في وقتنا وما نرسله وما نستقبله، فالإنسان العاقل يعلم أهمية الوقت وأنه محاسب على كل دقيقة يضعيها فيما لا يرضي الله ولا يسلك النهج السوي القويم.

وكثيراً ما يتداول الخيِّرون في هذه الرسائل الموادَّ الوعظية مثل آيات القرأن الكريم والأحاديث النبوية وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبار الصحابة والتابعين والصالحين وأقوالهم، وينبغي في هذه الانتباه الشديد لنقل آيات القرآن الكريم مشكولة مضبوطة ويستحسن ذكر السورة والآية، أما الحديث النبوي فينبغي نقله من الكتب والمصادر المعتمدة، وكذلك أقوال الصحابة والتابعين والصالحين وأخبارهم، ينبغي أن تؤخذ من المصادر الموثوقة والمعروفة بخلوها من الموضوعات والإسرائيليات والخرافات، وبعض الناس يرسلها مع كلمة تحفظ كأن يقول: على ذمة الراوي أو: كما وصلتني، أو: منقول. وهذا لا يكفي ولا ينبغي، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يُحدِّث بكل ما يسمع.

وكثيرٌ مما يتناقله الناس يتعارض مع ميزان الشرع وأحكام القرآن والسنة النبوية، رغم حسن نية الناقلين لها، وهي في كثير من الأحيان تنبعث من الرغبة في الأخبار الغريبة والمبالغات الشديدة، وأحياناً تتحدث عن اقتراب يوم القيامة وتبشر بظهور المهدي وتتحدث عن علامات الساعة فيما يقع من أحداث ويتخيل مرسلها من أوهام، وهذه آفة أخرى تثبط الهمم وتفتر العزائم إذ يتقاعس ضعاف النفوس والهمم عن العمل البناء لتغيير حال الأمة، ويتشبثون في هذا بما تتحدث به هذه الرسائل من اقتراب الساعة، وغفلوا عن الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل.

وقد كشفت هذه الرسائل لمن تأملها عن بلاء عمَّ جمهور هذه الأمة في الابتعاد عن اللغة العربية في قواعد الإملاء والكتابة وغلبة العامية الركيكة عليها، فعلى كل عربي أن يبذل جهده لإحياء اللغة العربية الفصحى المبسطة في هذه المراسلات لتعود للأمة روحها العربية وثقافتها الإسلامية، وذلك أمر ليس بالعسير على من قصده وأراده بعون الله، وأنت إذا حرصت عليه كان لك فيه الأجر والثواب، فمن سنَّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين