الإسلام في أفريقيا (45)

 الشيخ الشهيد أبو جعفر محمد بن محمد بن خيرون المعافري

أُدخل الشيخ أبو جعفر ابن خيرون على ابن أبي خنزير - لعنه الله - بهيئته الجميلة وقد علاه صفار وسمت وخشوع، وعلى رأسه منديل مهلبي، فلما رآه ابن أبي خنزير - كما يقول الشيخ أبو الحسن بن القابسي - بكى، فقال له أحد جلسائه: ما الذي أبكاك؟ قال: السلطان - يعني عبيد الله - وجه إلي يأمرني أن آمر بدوس هذا الشيخ حتى يموت وهو ابن خيرون.

وبطح أبو جعفر على ظهره وطلع السودان فوق السرير فقفزوا عليه بأرجلهم حتى مات - رحمه الله - فلما مات أخذوه وحملوه على بغل وألقوه في حفير، وذلك لجهاده في الدين وبغضه لعبيد الله وجنده. وكان الذي عمل عليه وسعى به المروزي - لعنة الله عليه - .

ونهب أبن أبي خنزير ماله وأخذ مولدة كانت له وجعلها مع خدمه، فلما طال على ابن أبي خنزير كثرة ما يأتي به المروذي من العلماء والصالحين ليقتلهم سعى به عند عبيد الله ومضى فيه إلى المهدية فقبل عبيد الله قوله ومكّنه منه فأخذه فألبسه تليساً ورماه في اسطبل الدواب تمشي عليه فركضت في بطنه حتى قتلته، وكان الجزاء من نفس العمل.

فكانت تلك المولدة - التي كانت لابن خيرون - تأتيه وهو تحت أرجل الدواب، فيقول لها: إنك بسببي صرت عند السلطان، فتقول له: يا شيخ السوء قتلت سيدي ابن خيرون شيخ القيروان وأزلتني من عنده ورددتني عند خنزير بن خنزير وتأمر خدمها فيلطمونه ويطعمونه قذره. وكانت هي المتولية لعذابه حتى هلك - لعنه الله -.

قيل أنه لما ضربه ألف سوط وعذبه قال له: هات الأموال التي جمعت، فقال: والله لو أن تحت قدمي جباً مملوءاً بمال الدنيا كلها ما أخرجت لكم منه درهماً واحداً وإني قد عصيت الله عز وجل فيكم فسلطكم علي، فاضرب ما شئت وعذب كيف شئت.

وكان محمد بن عمر المروذي هذا معتقداً لمذهب الشيعة معروفاً بذلك، فلما دخل الشيعي - لعنة الله عليه - بادر إليه ودخل في دعوته ولزمه فولاه قضاء إفريقية، فتصلّب وتكبر وكانت أيامه صعبة جداً وأخاف أهل السنة. ثم خرج الشيعي إلى (سجلماسة) في طلب عبيد الله اللعين فاستخلف في مكانه أبا العباس فأطلق يد المروذي وقوى أمره، فأخذ أبا العباس بن بطريقة قاضي طرابلس.

وكان من الفقهاء العلماء، وأبا القاسم الطرزي قاضي صقلية، والمحتسب بمدينة القيروان قبل القضاء فضربهما وهون بهما. وقتل ابن هذيل وإبراهيم بن البرزون، وأول ما ولي زاد في الأذان (حي على خير العمل) وترك الناس يصلون (القيام) سنة واحدة ثم منعهم وترك أكثر الناس الصلاة في المساجد، وأخذ أموال الأحباس والحصون، وأخذ سلاح الحصون التي على البحر، وأمر الفقهاء أن لا يفتوا ولا يكتبوا وثيقة إلا من تشرق وكفر، وأمر أن يزال من الحصون والمساجد اسم الذي بناها وأمر بها من السلاطين ويكتب اسم المهدي - لعنه الله -.

وقد أخذ الله عدو ابن خلدون القاضي المروذي الذي سعى عليه - من جنس فعله به - بأخس الأشياء، وهو عفسه بأرجل البهائم، مع ما عذب به بغير ذلك. وجزى الله مشيخة القيروان خيراً، هذا يموت، وهذا يضرب، وهذا يسجن، وهم صابرون لا يفرون، ولو فروا لكفرت العامة دفعة واحدة، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.

استشهد أبن خيرون سنة (299هـ/911م) رحمه الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين