لا تسأل الناس شيئا

دعني أخبرك أولا أنني لست الذي أنهاك عن سؤال الناس ، وإنما الذي ينهاك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولم ينهك نهيا مجردا بل كان يبايع أصحابه رضي الله عنهم على ذلك .

بايع على ذلك أبابكر وغيره .

ثم دعني أقولها لك بكل صدق وصراحة : إن كل عمل أقدمت عليه استعملت فيه عقلي وخبرتي ومعرفتي بالأمور ، ونقص فيه توكلي وتبرئي من حولي وقوتي= انعكس علي وآل أمري إلى ما لا أحب .

وكل أمر قدمت التوكل على الله قبل بذل الأسباب ،

ثم بذلت الأسباب غير ملتفت إليها ، ولا معتمد عليها= إلا رأيت الأمر صار إلى ما أحب.

تلك هي النتيجة وإليك المقدمات .

هل أتاك خبر موسى عليه الصلاة والسلام لما خرج إلى مدين خائفا يترقب بعد حادثة قتل القبطي .

يقول القرطبي في تفسيره : " خرج موسى عليه السلام فارا بنفسه ،منفردا خائفا ،لا شيء معه من زاد ولا راحلة ولا حذاء " .

ثم ذكر رواية -لعلها إسرائيلية- أنه كان يتقوت ورق الشجر، وما وصل حتى سقط خف قدميه.

لا يخفى عليك أنه لقي المرأتين وهما لا تستطيعان سقي غنمهما بسبب الأعراب 

أنظر إلى التعبير القرآني ( فَسَقَى? لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى? إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .

ما أبدع هذا وأروعه !

سقى لهما مع جوعه الشديد ،وخوفه الشديد ، ومسغبته وفقره .

ثم لم يسألهما شيئا ، ولا سأل غيرهما لكنه أوى إلى ظل الملك عز وجل ،

إلى الركن الشديد يسأله ويستمطر رحماته ،ويجأر بالبراءة من حوله وقوته ، ويظهر الفقر والمسكنة والحاجة .

سبحان الله !

قد مضى القوم إلى حال سبيلهم ولم يبق منهم أحد

من أين يأتي الفرج ؟

كيف ينزل الخير ؟

من المغيث ولا أحد يغيث ولو وجد لم يسأله؟

كل هذه الأسئلة لعلها لم تخطر بباله عليه السلام أصلا

وإنما قال : " رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ " .

فكان ماذا ؟

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لنا ....}

هكذا بالفاء الدالة على التعقيب والسرعة .

وكأنه بمجرد انتهاء دعائه جاءه الفرج بدون سؤال منه للناس ولا بذل ماء وجهه بين أيديهم ولم يسأل الناس شيئا .

فلا تسأل الناس ما استطعت ، وما كان لك مندوحة عن إراقة ماء وجهك ،

وسيأتي الخير على ما ينفعك ويصلحك 

والله أعلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين