واغوثاه يا حَكَم!

قرأنا كثيراً وسمعنا بقصة المرأة التي نادت: "وامعتصماه"، فلبّاها المعتصم وكان جوابه السريع أن جهّز جيشاً وفتح عمورية في الحادثة المشهورة.

لكن لم يكن المعتصم وحده بين الخلفاء والأمراء صاحب نخوة وشهامة، بل كانت المروءة والنخوة والشهامة هي الصفات السائدة لديهم، حتى كان أعداؤهم قلّما يتجرّؤون على سبي مُسلمة.

وهذه قصة أحد أمراء الأندلس: إنه الحَكَم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، ثالث الأمراء الأمويين في الأندلس. تسلّم الحكم بعد وفاة أبيه هشام سنة 180هـ. ولم تكن سيرته مَرْضيّة، لكنه تاب عن المعاصي وجاهد ضد الممالك المجاورة للمسلمين. وهذه إحدى قصصه في الانتصار لامرأة استغاثت به، وقد وردت القصة في كتاب من أهم الكتب التي دوّنت تاريخ الأندلس. إنه كتاب "نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرطيب" لأحمد بن محمد المَقَّري التلمساني (992-1041هـ = 1584-1631م).

كان للحَكَم بن هشام شاعر اسمه عباس بن ناصح الثقفي، وقد توجّه هذا الشاعر إلى "الثغر" ونزل بـِ "وادي الحجارة"، وهناك سمع امرأة تقول: "واغوثاه بك يا حَكَم، لقد كَلِبَ علينا العدو، فأيَّمَنا وأيْتَمَنا". وعلِمَ من شأنها أن العدو أغار على قومها فقَتَلَ وأسَر.

ذهب الشاعر إلى الحَكَم وأبلغه استغاثة المرأة فخرج بجيش إلى وادي الحجارة، وغزا العدو الذي كان قد فعل بالمسلمين ما فعل، وتمكّن الحكم من فتح حصون العدو وتخريب معاقله، وقتل عدداً كبيراً منهم، وأسَرَ كثيرين، واستدعى المرأة التي استغاثت به، فقام وضرب أعناق الأسرى بحضرتها حتى قالت: والله لقد شفى الصدور، وأنكى العدو، وأغاث الملهوف، فأغاثه الله، وأعزّ نصره.

وفي الوقت الذي نعتزّ بهذه المواقف النبيلة التي حَفَلَ بها تاريخنا، نتألم حين نجد بعض حكام اليوم يقتلون شعوبهم، ويشرّدونهم، وينتهكون الأعراض والمقدسات، ويفتحون حدود بلادهم لكل وغد، وتجوس طائرات العدو أجواء بلادهم فلا تتحرك فيهم نخوة، ولكنهم يحتفظون بحق الردّ!. إنهم يفعلون بشعوبهم أفظع مما يفعله العدو، بل (همُ العدوّ فاحذرهم. قاتَلَهم اللهُ أنّى يؤفَكون). {سورة المنافقون: 4}.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين