من عبر التاريخ

جاء في التاريخ أن من أسباب رسوخ ملك عماد الدين زنكي واكتمال أمره أنه كان قليل التلون والتنقل لم يتغير على أحد من أصحابه إلا بذنب واضح يوجب التغير فلذا كان من معه ينصحونه (أي يحفظون ودَّه وصحبته ويصدقون في مشورته) ويبذلون نفوسهم له. وقالوا بأنه كان يخطب ود الرجال ذوي الهمم العالية والآراء الصائبة والأنفس الأبية ويوسع عليهم الأرزاق فيسهل عليهم فعل الجميل واصطناع المعروف.

فإذا قدم عليه من هؤلاء أحد لم يكن غريباً فإن كان من أهل الجندية اشتمل عليه الأجناد وأضافوه وإن كان عالماً قصد القضاة فيحسنون إليه ويؤنسون غربته. 

وقالوا عن ولده نور الدين زنكي أنه كانت له في بلاده إدرارات (أي أرزاقاً كثيرة) وصلات عظيمة للفقهاء والفقراء والقراء والمنقطعين للذكر، فقيل له لو أنك أنقصتهم من هذه الصلات واستعنت بها في أمور العسكر، فغضب وقال "والله إني لأرجو بأولئك النصر فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم في فراشي بسهام لا تخطئ (أي بالدعاء في جوف الليل) وأصرفها إلى من يقاتل عني بسهام قد تخطئ وقد تصيب ...".

(ينظر كتاب الروضتين في أخبار الدولتين للإمام أبي شامة) 

العبرة: ليس أفضل لأهل القرار والمسؤولية بجميع أنواعها من هذا الخلق إذا أراد لملكه الثبات ولأمره الاكتمال.

فهما أمران مهمان مما يثبت به أمر الملك والمكانة:

أولهما - المحافظة على ود الرجال أصحاب الآراء الصائبة والمشورة المفيدة والعلم النافع والنصح الرشيد والهمة العالية في معالي الأمور وتقريبهم واستمالة قلوبهم.

ثانيهما- تفضيل أهل الدين والفقه وأهل القرآن والذكر والفقراء والمساكين واستجلاب دعائهم وتطييب خواطرهم. 

ولا يكون ذلك إلا بأن يكفيهم هموم دنياهم ويوسع لهم في أعطياتهم ليتفرغوا لخدمة الدين والوطن ويكون فكرهم صافياً ووقتهم متاحاً لفعل الجميل واصطناع المعروف وتكون قلوبهم مذعنة لمحبة أهل القرار ومحترمة لهم ناصحة لما فيه صالح بلادهم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين