بين الرضا بالقضاء والرضا بالواقع

يخلط بعض المؤمنين بين الرضا بقضاء الله وقدره وبين الرضا بالواقع. ونعلم أن الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان التي لا يصح إيمان الإنسان إلا بتحققها جميعاً، ومعناه أن يؤمن أن كل ما يجري في العوالم إنما هو بإرادة الله عز وجل وعلمه.

وأما الرضا بالقضاء والقدر فهو من أركان الإحسان "أي زيادة الإيمان" فمن عبد الله كأنه يراه لم يتوقف عند درجة الإيمان بالقضاء لما أصابه من سوء مع تجرع مرارة الصبر، لا. بل إنه مرتق لدرجة أعلى ألا وهي الرضا بما أصابه بمعنى الاطمئنان القلبي لاختيار الله مع شهود قوله تعالى "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون" هذا الشعور القلبي من أعلى درجات الإحسان.

أما الرضا بالواقع ( الذي يمكن تغييره للأفضل ) فهو فهم مناف لما ذكرنا، لأن من أوامر الله لعباده أن يبتعدوا عن الآثام والمعاصي بقوله "وذروا ظاهر الإثم وباطنه" ومن أوامره تعالى أن يواجه المؤمن الظروف الصعبة ليتحرر منها وأن لا ييأس كما قال يعقوب عليه السلام " يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " نفر من قدر الله إلى قدر الله ". 

و نقل ابن تيمية رحمه الله عن عبد القادر الجيلاني أنه قال " كثير من الرجال إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا وأنا انفتحت لي روزنة فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، والرجل من يكون منازعاً لقدر لا موافقاً له"!

المؤمن الحق يفرّ من قضاء الله بالمرض إلى قضائه تعالى بالصحة، ومن قضائه تعالى بالفقر إلى قضائه بالغنى، ومن قضائه بالفشل إلى قضائه بالنجاح والفلاح.

الأمة المؤمنة تفرّ من قضاء الاحتلال من الآخر لها إلى قضاء العزة والتمكين والنصر الذي أمر الله بالأخذ بأسبابه فقال " ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض" وليعلم أن من قدر الله الإنسان نفسه وأفعاله، فما يقوم به العبد من أسباب هي أيضاً من قدر الله.

أرجوكم لا تخلطوا بين الرضا بالواقع والرضا بقضاء الله فشتان بينهما. 

أرجوكم لا تنسبوا لديننا العظيم مفاهيم ليست منه، إنما هي مفاهيم حاكتها عناكب الوهم في عقول بعض الكسالى والمهمشين.

الوثوب إلى معالي الأمور من شأن المؤمن ومن شأن الأمة المؤمنة والنتائج على الله تعالى 

ولنا عبرة وأي عبرة في مقولة الشاعر عمر أبو ريشة – رحمه الله –

شرف الوثبة أن ترضي العلى=غلب الواثب أم لم يغلب

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين