يا فقراء العالم اتحدوا!!

كنت مستغرقاً في قراءة مذكرات "شارلي شابلن" ، وأدهشني هذا الكم من الفقر والبؤس الذي عاشه في طفولته وصباه في نهاية القرن التاسع عشر في مدينة "لندن" التي ولد فيها ، تواضع الحي وضيق الشقة واجتهاد والدته لعمل أي شيء من أجل توفير أساسيات الحياة ، ثم عجزها عن دفع إيجار الشقة ، وبيعها لماكينة الخياطة لعجزها عن دفع أقساطها ، ثم قرارها بالدخول لملجأ النساء ووضع ولديها في ملجأ الأطفال ، ثم إصابتها بالجنون في الملجأ .

أقرأُ هذه المآسي وأضرب كفا بكف .!

هل هذا فعلا حال مواطن انجليزي يعيش في عاصمة الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس والمسيطرة على ثروات نصف الكرة الأرضية .؟!!

قد يكون مفهوماً أن يكتب هذا الكلام مواطن من الدول المستعمَرة المنهوبة من انجلترا ، لكن كيف نفهم هذا الوضع لمواطن الامبراطورية العظمى.!

تطارحتُ تباريحَ هَمّ ما قرأته في مذكرات "شارلي شابلن" مع سيدة انجليزية لديها ابنة واحدة ، قالت لي: 

(إنها طلبت من ابنتها بعد بلوغها الثامنة عشر أن تعمل لتساعدها على نفقات تعليمها ، ثم تزوجت الابنة وانتقلت للعيش مع زوجها ، وأنا الآن في خريف العمر عجزت عن توفير أساسيات الحياة فانتقلت للعيش مع ابنتي وزوجها ، وبرغم ذلك أنا محظوظة لأن في بلادي آلافا لا يجدون مأوى غير أرصفة الشوارع .)

انتهى كلامها وتذكرت ما رأيته في أثينا وباريس من أفراد وعائلات يسكنون الأرصفة ، في مشهد يبدو أنه صار مألوفاً للمجتمع وللحكومة التي لم تقدم بديلاً وتركتهم هكذا تحت بصرها .

هذا بخلاف الإحصاءات المروعة عن عدد المشردين في شوارع الولايات المتحدة .

أعود وأقول : قد يكون الفقر مفهوما في دول متخلفة تحكمها نظم ديكتاتورية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ، ولكن كيف نفهم هذا الوضع في دول ديموقراطية رأسمالية متقدمة تسيطر على ثروات النصف الجنوبي من الكرة الأرضية .؟

من السبب ، وما السبب .؟ .. ومن يحكم العالم .؟ .. ومن قسم العالم إلى كانتونات سماها دولا واخترع جوازات السفر وتأشيرات الدخول ، وأعطى حرية التنقل للبعض ومنعها عن الآخرين .؟

من السبب في تركيز ثروات العالم في يد قلة من البشر بينما يموت ملايين البشر من الجوع .؟

من يحكم العالم هو السبب .

ومن يحكم العالم .؟

يجيب "نعوم تشوميسكي" من خلال محاضرة له بعنوان (من يمتلك العالم) ألقاها في جامعة "ماساشوسيتس" عام 2012 : (المهندسون الرئيسيون للسياسة هم أصحاب المصانع والتجار أصحاب الشركات عابرة القارات ، يوجهونها بما يخدم مصالحهم بغض النظر عن تأثيرها المدمر على الشعوب بمن فيهم الأوروبيون أنفسهم.)

ويسميهم "هيرفي كيمف" في كتابه (كفي للطغمة وتحيا الديموقراطية) ب (حكم الطُغْمَة) ويعني بهم عددا قليلا من القادة يصدرون قرارات تصب في مصلحة الطغمة من الساسة ورجال الأعمال .

ويري "راي بوش" في كتابه (الفقر والليبرالية الجديدة)

أن المجاعة وانعدام الأمن الغذائي من السمات الحتمية للرأسمالية الحديثة التي توظَف لخدمة أصحاب رؤوس الأموال .

مساكين يا فقراء الشمال .. أقنعوكم أن مشكلتكم في هجرة فقراء الجنوب إليكم .!

يا فقراء العالم .. اتحدوا .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين