أسرع الأبواب التي تدخلك على ربك؟

إظهار الفقر والمسكنة ، والانطراح على عتبة العبودية وسوء الظن بالنفس ، ولومها على التقصير من أسرع الأبواب التي تدخل العبد على ربه ، وتقربه إليه 

وهذا اللوم -كما يقول ابن رجب - أحب إلى الله من كثير من الطاعات .

وهاهي عبارته بنصها من مجموع الرسائل: " هذا اللوم أَحَبّ إِلَى الله من كثير من الطاعات فإن يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه فلذلك يسرع إِلَيْهِ حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب، فإنَّه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، عَلَى قدر الكسر يكون الجبر.

قال وهب: تعبد رجل زمانًا ثم بدت له إِلَى الله حاجة فصام سبعين سبتًا يأكل في كل سبت إحدى عشرة تمرة، ثم سأل الله حاجته فلم يعطها فرجع إِلَى نفسه فَقَالَ: منك أتيت، لو كان فيك خير أعطيت حاجتك. فنزل إِلَيْهِ عند ذلك ملك، فَقَالَ: يا ابن آدم؛ ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت وقد قضى الله حاجتك" .

وأما من استحمق وتجلد ، وأظهر تقاويه على الله- لا سيما في البلاء - فهو من أبعد الناس عن الله سبحانه ،

فإن الله عز وجل إنما يبتلي العبد ليتضرع إليه ، وينكسر بين يديه ، ويتذلل له ، ويُسمِعه صوته .

قال تعالى: 

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ }.

وقد ذم تعالى من تقاوى عليه ، وأظهر تجلده وصبره عنه .

قال تعالى : {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } .

وهؤلاء أنبياء الله عز وجل ، وصفوته من خلقه 

يبسطون أيدي الرجاء ، ويسألون مسألة المساكين ، ويبتهلون إلى الله ابتهال الخاضع الذليل ،

ويستفرغون في ذلك جهدهم .

قال تعالى عن يعقوب :

{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

وقال تعالى عن أيوب:

{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }

وقال تعالى عن موسى :

{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }

وقال تعالى عن يونس :

{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }

وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : " اللهم إني أشكوا إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي ..... الحديث " . [وفي سنده مقال ]

فياعبدالله :

ألق بنفسك على بابه ، وانطرح على عتبة عبوديته ،

وانكسر له ، وتضرع إليه، وتذلَّل بين يديه ؛

فإن في ذلك عزك وشرفك ،

وفوق ذلك قضاء حاجتك .

اخضع وذل لمن تحب فليس في

شرع الهوى أنف يشال ويعقد

إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل 

فلن يخيب لنا في ربنا أمل 

وإن أناخت بنا البلوى فإن لنا 

ربا يحولها عنا فتنتقل

وأما التجلد ،وإظهار شرف النفس وعزها ؛ فهذا إنما يحسن في معاملة المخلوقين .

كما قيل :

وتجلدي للشامتين أريهم

أني لريب الدهر لا أتضعضع .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين