بعض الندم يُشفي وبعضه يُسقم

هل وقفت ذات مرة أمام المرآة وصارحت نفسك عن أكثر ماندمت عليه في حياتك؟ أنك تكلمت حينما كان يجب عليك أن تصمت، أنك توقفت حينما كان عليك الاستمرار في المحاولة مراراً وتكراراً. أنك ندمت على عدم المضي في تعليمك الجامعي والفوق جامعي وعدم الإعتناء بصحتك، أنك عبرت عن مشاعرك بشجاعة لفتاة أم انك لم تستطع البوح بحبك لها؟ أأنت نادم مثلا على المرات التي فيها قلت "نعم" وفي داخلك كنت تقول "لا"؟ أم أنك نادم لسبب آخر تماما. هل لازلت تراقب عقارب الساعة وتقول في نفسك وتتمنى أن لو تعود الى تلك اللحظات، لكان قرارك (بل مصيرك) مختلفاً؟ الشيء الجيد أنك لست وحدك في هذا العالم من قد ندم على فعل شيء ما في حياته، 90% من البشر لديهم مايندمون عليه.

تشير الأبحاث العلمية الى أن النساء تندم بنسبة 44% بينما يندم الرجال بنسبة 19% فقط. فالندم يمر أولاً بالإنكار. و تعتبر هذه المرحلة قصيرة نسبيا. هنا نتأقلم مع مشاعرنا ونقبل حقيقة الخسارة والوضع الجديد. ثانيا تحدث الحيرة والإرتباك حيال مايحصل ونطرح الأسئلة. مثلاً: كيف صدقت هذا الموضوع؟ أو كيف صرفت هذا المبلغ على هذا الشيء؟ أو كيف اتخذت هذا القرار؟ يأتي ثالثاُ الشعور بالإستياء وتأنيب الضمير وجلد الذات، وتكون بعدم تعاطفنا مع هذا الخطأ. لاحقا تكون مرحلة التبرير. كأن تقول لنفسك: كنت فعلا محتاج لهذا المبلغ واضطررت لأبيع البيت. أو تقول (هنا للفتيات) كم ضحيت من أجله! ولكن للأسف "طلع مابيستاهل".

من أكثر الكتب التي تعلمت منها وأكثرها صدقاً في هذا المجال هو كتاب للمؤلفة بروني وير، ممرضة أسترالية قضت العديد من سنوات حياتها تعتني بالمرضى وتحديدا من هم على فراش الموت ويودعون الحياة ببطئ. سألتهم عن اكثر الأشياء التي ندموا على فعلها او عدم فعلها في سن الشباب ومن ثم كتبتها في مقال يحتوي على 5 نقاط رئيسية قرأه الملايين وترجم الى 29 لغة وحول لاحقاً الى كتاب بعنوان "أكثر 5 أشياء نندم عليها على فراش الموت" وكانت الإجابات كالاتي: أولا-تمنيت لو كانت لدي الشجاعة أن أعيش لنفسي ولا أعيش الحياة التي يتوقعها أو يريدها مني الآخرين. ثانيا- تمنيت لو خصصت وقت أطول لعائلتي وأصدقائي. ثالثا- تمنيت لو كان لدي الشجاعة لأعبر فيها عن مشاعري بكل صدق و صراحة ووضوح. رابعا- تمنيت لو بقيت على اتصال مع اصدقائي القدامى قبل أن اسمع بوفاتهم فجأة. أخيرا- تمنيت لو أنني أدركت المعنى الحقيقي للسعادة. 

في النهاية، أعتقد أنني أختلف كثيرا مع كوكب الشرق أم كلثوم عندما تغني: تفيد ب إيه ياندم وتعمل ايه ياعتاب. فلولاه لما شعرنا بخطأنا، ولما تعلمنا من الدروس. الندم هو المفتاح لمواجهة الألم والقادر على صنع التغيير. فكيف لك أن تغير واقعك وأنت تهرب منه؟ صحيح أنك قد أدركت بعد فوات الأوان، ولكن الأهم هنا ان لا تستسلم لهذا الشعور وتبقى تذكر نفسك به طوال عمرك. فالندم الحقيقي هو أن تتعلم ، لا أن تظل جاهلاً. أن تنجو، لا أن تغرق.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين