من ترك شيئا لله .......؟

لايستريب أحد ممن دخل اليقين إلى قلبه أن ( من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه )

وهذا نص حديث نبوي صححه جماعة من أهل العلم .

وحتى لو لم يصح ، فقواعد الشرع وأدلته تؤيده ، ووقائع الناس توافقه ولا تخالفه .

ولن أطيل في التنظير حول تلك المسألة ،

وأشد على يديك أنك إذا تركت شيئا لله عوضك الله خيرا منه ،

لكني سأنقل لك موقفين فقط 

اجعلهما نصب عينك= سترى بحول الله ما يسرك

الأول : عنوانه [الفالوذج بدهن الفستق ]

قال ابن كثير في [البداية والنهاية] في ترجمة أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة :

" قال علي بن الجعد: سمعته يقول: توفي أبي وأنا صغير فأسلمتني أمي إلى قصار، فكنت أمرُّ على حلقة أبي حنيفة فأجلس فيها، فكانت أمي تتبعني فتأخذ بيدي من الحلقة وتذهب بي إلى القصار، ثم كنت أخالفها في ذلك وأذهب إلى أبي حنيفة، فلما طال ذلك عليها قالت لأبي حنيفة: إن هذا صبي يتيم ليس له شيء إلا ما أطعمه من مغزلي، وإنك قد أفسدته علي.

فقال لها: اسكتي يا رعناء، هاهوذا يتعلم العلم وسيأكل الفالوذج بدهن الفستق في صحون الفيروزج.

فقالت له: إنك شيخ قد خرفت.

قال أبو يوسف: فلما وليت القضاء - وكان أول من ولاه القضاء الهادي، وهو أول من لقب قاضي القضاة، وكان يقال له: قاضي قضاة الدنيا، لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم التي يحكم فيها الخليفة -.

قال أبو يوسف: فبينا أنا ذات يوم عند الرشيد إذ أتي بفالوذج في صحن فيروزج فقال لي: كل من هذا، فإنه لا يصنع لنا في كل وقت.

وقلت: وما هذا يا أمير المؤمنين؟

فقال: هذا الفالوذج.

قال: فتبسمت، فقال: مالك تتبسم؟

فقلت: لاشيء أبقى الله أمير المؤمنين.

فقال: لتخبرني.

فقصصت عليه القصة فقال: إن العلم ينفع ويرفع في الدنيا والآخرة.

ثم قال: رحم الله أبا حنيفة، فلقد كان ينظر بعين عقله ما لا ينظر بعين رأسه.

والثاني عنوانه [كتاب سيبويه ]

قال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة أبي عثمان المازني البصري : "

روى المبرد: أن رجلا من أهل الذمة طلب منه أن يقرأ عليه كتاب سيبويه ويعطيه مائة دينار، فامتنع من ذلك.

فلامه بعض الناس في ذلك فقال: إنما تركت أخذ الأجرة عليه لما فيه من آيات الله تعالى.

فاتفق بعد هذا أن جارية غنت بحضرة الواثق:

أظلوم إن مصابكم رجلا * رد السلام تحية ظلم

فاختلف من بحضرة الواثق في إعراب هذا البيت، وهل يكون رجلا مرفوعا أو منصوبا، وبم نصب؟ أهو اسم أو ماذا؟

وأصرت الجارية على أن المازني حفظها هذا هكذا.

قال: فأرسل الخليفة إليه، فلما مثل بين يديه قال له: أنت المازني؟

قال: نعم 

قال: من مازن تميم، أم من مازن ربيعة، أم مازن قيس؟

فقلت: من مازن ربيعة.

فأخذ يكلمني بلغتي، فقال: باسمك؟

وهم يقلبون الباء ميما والميم باء، فكرهت أن أقول مكر فقلت: بكر.

فأعجبه إعراضي عن المكر إلى البكر، وعرف ما أردت.

فقال: على م انتصب رجلا؟

فقلت: لأنه معمول المصدر بمصابكم.

فأخذ اليزيدي يعارضه فعلاه المازني بالحجة، فأطلق له الخليفة ألف دينار، ورده إلى أهله مكرما.

فعوضه الله عن المائة الدينار - لما تركها لله سبحانه ولم يمكن الذمي من قراءة الكتاب لأجل ما فيه من القرآن - ألف دينار عشرة أمثالها" .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين