الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية

قبل أيام يسيرة احتفل العالم باليوم العالمي للصحة النفسية ، وهو يوم يحاول فيه ذوو الاختصاص دراسة الأسباب التي تضر بصحة النفس، وسبل الوقاية منها، وطرق العلاج الفعال، وتحديد أهم العوامل التي تحدث الاضطرابات النفسية وعلى رأسها الاكتئاب وضيق الصدر الذي يعاني منه 154 مليوناً حول العالم ... وهو لاشك رقم مخيف... وشان عجيب أن يفعل الاكتئاب كل هذا، ويستهدف كل هذا العدد الكبير والهائل ... 

لكن العجب يزول حين تدرك العقول أن جُلَّ أولئك الضحايا ليسوا من المسلمين ... ليسوا من المصلين ... ليسوا ممن آمنوا برب العالمين ... وأيقنوا بيوم الجزاء والدين ... جُلُّ أولئك لا تربطهم بالله تعالى رابطة ولا تصلهم به صلة من عبادة وطاعة وقربة ... فهم دوماً خائفون.... وجِلون ... مرتابون وفي ريبهم يترددون .... يحزنون على الماضي ويخافون من المستقبل .... فهم في شقاء واكتئاب وعناء.... 

أما المسلم الحق الذي وثق بربه، وتعلق بحبله، وكان عند أمره ونهيه؛ فلا يعرف الاكتئاب إلى قلبه سبيلاً ، ولا الامراض النفسية إلى روحه وليجة ... 

نعم قد يفتقر ... قد يخسر في تجارته ...قد يصاب بمصيبة - عافانا الله وإياكم- ... لكنه يتجاوز كل ذلك بإيمان ثابت ويقين راسخ أنها إرادة الله واختيار الله ومشيئة الله .... وخيرة الله لعبده خير من خيرته لنفسه ... وهو به رؤوف رحيم ... 

سهرت أعين ونامت عيون *** لأمور تكون أو لا تكون 

فادرأ الهَمَّ ما استطع*** ت فحملانك الهموم جنون 

إن رباً كفاك همك بالأمس *** سيكفيك في غد ما يكون 

ثم إنه يملك الدعاء ... وما يدريك ما فعل ويفعل الدعاء... إنه لا مثله في مجابهة الصعاب ومغالبة الشدائد وتبديل العسر يسراً وشرح الصدر بأسباب الثقة بالله وحسن التوكل عليه .... أو ليس في القرآن سورة كاملة اسمها الانشراح ... أو ليس في هذا دليلاً أن الانشراح آتٍ إن بذلت أسبابه من اللجوء إلى الله والوقوف على بابه ؟ فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً.... 

إذا ضاقت بك الدنيا*** ففكر في ألم نشرح 

فعسر بين يسرين*** متى تذكرهما تفرح 

ثم هو يتمتع بأعظم كنز وأوسع ثروة يفتقدها كثيرون غيره ... إنه يملك القناعة ... القناعة بما لديه من مال، وما عليه من حال .... لذا تراه سعيداً ... هانئ البال ... مرتاح الفؤاد لا يتطلع إلى ما لم يُعطَ ... ولا يتشوف إلى ما لم يَنلْ .... لأنه بقناعته في نعمة لا تقدر بثمن، ولا توزن بأي شيء في الدنيا .... وصدق من قال : القناعة كنز لا يفنى ... وصدق أبو العتاهية أيضاً في قوله : 

هي القناعةُ فالزَمْها تعِشْ ملكاً *** لو لم يكنْ منكَ إلاّ راحةُ البدنِ

وانظُرْ إلى لمن ملك الدنيا بأجْمعِها*** هل راحَ منها بغيرِ القُطْنِ والكفنِ

قال عليه الصلاة والسلام: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا.رواه الترمذي وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

هذه عناصر السعادة ... وتلكم أركان الملك الحقيقي والعيش الرغيد .

لقد سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: «أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ»، قَالَ: فَإِنَّ لِي خَادِمًا، قَالَ: «فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ»، رواه مسلم .

ولَى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مدينة حمص والياً اسمه عمير بن سعد، فمكث حَولاً لم يصل عمر منه خبر فأرسل إليه عمر يستقدمه ، فقدم عليه ماشياً ، ودخل إلى مجلسه؛ فقال له عمر : ما بالك ؟ مالي أراك مصفر اللون ؟ قال : لا شيء... إني صحيح البدن، طاهر الدم ، معي الدنيا أجرها بِقَرنيها ؟ 

قال عمر : وكيف ذلك ؟ قال عمير : معي جِرابي أجعل فيه زادي، وقصعتي آكل فيها .... وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي ، وعصاي أتوكأ عليها وأدفع بها عدواً إن عرض ... فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي هذا .

أمثل هذا يمرض ... بربكم أمثل هذا يشكو اكتئاباً ... أمثله يضيق صدره ؟؟؟ فلنكن مثله إذن ... ولنقل للاكتئاب والرهق النفسي وداعاً وداعاً.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين