لقد جعلتني أحبّ المرض !

ماذا يفعل الزوجان إذا مرِض أحدهما؟

هل يدعو المُعافَى منهما لصاحبه المريض؟ هل يعرِض عليه اصطحابه إلى الطبيب أم يَدَعه يذهب إليه وحده؟

هل يُخفف عنه ويواسيه، وبأذكار الشفاء يرقيه ؟

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في مرضه الذي قُبِض فيه بالمعوِّذات، فلمَّا ثقل كنت أنا أنفث عليه بهنّ بيد نفسه لبركتها. صحيح البخاري.

هل يفعل الزوجان هذا إذا مَرِض أحدهما؟ هل يقترب منه ليرقيه بالمعوِّذات كما رَقَت السيدة عائشة زوجها النبي صلى الله عليه وسلم ؟

إنَّ نَفْثَ ما يقرؤه أحد الزوجين -من المعوِّذات- في كفَّيه، ثم قيامه بمسح المريض منهما بهما؛ يجلب من المودّة والرحمة ما يؤلِّف بين الزوجين، ويُقرِّب بينهما، ويغسل ما في قلبيهما من مشاعر سلبية لاتخلو منها الحياة الزوجية.

وأُورِد هنا رسالة كتبتها امرأة لزوجها تُعبِّر فيها عن تأثّرها الشديد بقُرب زوجها منها حين مرضها، حتى إنها قالت له: لقد جعلتني أُحبّ المرض!

وهذا نص الرسالة:

زوجي الحبيب

هل يمكن لإنسان أن يحب المرض ؟

لعلك تجيبني قائلاً: لا يمكن لإنسان أن يحب المرض الذي يحرمه العافية والصحة ويجلب له الآلام والأوجاع !

هل تصدق أنك جعلتني أحب المرض ! هل تعرف لماذا؟ لأنني أحسست، ولأول مرة، بقربك، وعطفك، وحنانك.

جلوسك جانبي وأنت ترقيني بأدعية الاستشفاء ثم تمسح بها على رأسي جعلني أشعر بتيار جميل دافئ يسري في كياني كله.

نظراتك القلقة عليّ، وكلماتـك التي توصيني فيها بتناول الدواء، كانت تملأ قلبي فرحاً وسعادة.

ولن أنسى ما قلته لأحد أصدقائك، عبر هاتفك النقال، وأنت تعتذر عن زيارتهم في الديوانية تلك الليلة: (لن أستطيع أن آتي اليوم.. زوجتي مريضة ويجب أن أبقى قريباً منها). لم أستطع إخفاء ابتسامتي، فقد جعلني إيثارك البقاء قربي على الذهاب إلى الديوانية.. جعلني أنتشي بهجة وسروراً.

حتى الفاكهة التي قشّرتها بيدك، وقطّعتها بالسكين قطعاً صغيرة، وصرت تضعها في فمي بيدك، كان لها طعم لذيذ مختلف.

وعلى الرغم من إشفاقي على طفلينا الصغيرين حين قمتَ بنهرهما لأنهما أصدرا أصواتاً عالية في لَعبهما، فإن كلماتك لهما أسكرتني: (العبا بهدوء وإلا أعدتكما إلى غرفتكما.. أمكما مريضة ويجب أن ترتاح حتى تشفى).

أما سحبك اللحاف لتغطيني به، وطبعك قبلة على جبيني، بعد أن أغمضتُ عيني وحسبتَ أنني نمت، فقد أثار فيَّ مشاعر وأحاسيس لا يمكن وصفها لأنني لا أجد الكلمات التي تعبر عن الحب الذي تفجر في قلبي نحوك.

أليس لي، بعد هذا كله، أن أحب المرض الذي كشف لي صدق حبك لي، وشدة عطفك علي؟!

أليس لي أن أشكر الله الذي أمرضني فعرفت كم أنا أثيرة لديك، وعزيزة عليك؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين