ماذا يعمل المبشرون بنا؟

رأى أعداء الإسلام ما عليه أهله من سكون مطلق وبرود لا يشوبه من الحرارة شيء أمام ما يُرتكب بيننا من الموبقات المهلكات حتى صارت كبائر الإسلام ترتكب علناً بلا أيّ حرج ولا أدنى حياء، ولا نستثنى من ذلك حتى الانسلاخ من الإسلام.

رأى أعداؤنا ذلك منا، ففهموا أنْ لا قيمة لهذا الدين في نفوسنا، فحدَّثتهم أنفسهم بأنهم يستطيعون أنْ يخرجونا منه ويضمونا إليهم، طمعوا في ذلك منا، ثم طمعوا طمعاً أفضى بهم إلى أنْ ينشروا بيننا في بلادنا - بمرأى منا ومسمع - أولئك المبشرين الذين نضجُ اليوم مما يفعلون.

ليست حالتنا هذه مع الدين حالة جديدة، بل هي حالة لها عهد طويل، وليست حركة المبشرين بيننا جديدة بل ترجع إلى عهد موت غيرتنا على الإسلام، ولقد صرحت إحدى المبشرات أنَّ وجودهم عندنا مضى عليه ثمانون عاماً، هذه الأعوام الطويلة مضت على أولئك المبشرين وهم جادّون ليلاً ونهاراً في تكفيرنا وإخراجنا من حظيرة الإسلام.

بحث أولئك الثعالب مختلف الحيل لاقتناصتا فلم يجدوا أنجع من استخدام أمور ثلاثة لا رابع لها؛ وهي: الجهل، والفقر، والشهوة. 

أما الشهوة: فقادوا بسلاسلها شبابنا وشاباتنا،

أما الشبان فيعرضون عليهم من فتياتهم ذوات الجمال الساحر القاتن، وانظر أنت ماذا يكون في نفس الشاب الملتهب شبابه إذا رأى ذلك الجمال البارع يُعرض عليه رخيصًا بلا ثمن، يتمتع به كما يشاء، لعلك لاتتردد أنه يطير عقله، ووراءه يطير دينه.

وأما الشابات فيعرض عليهنَّ أرباب الفتوة والجمال من شبانهم، ويقال لهن: إنَّ هذا طائر العقل عليك لو سمحت أنْ يتزوجك يكون له السعادة كلها، وماذا تظنه فيها إذ ذاك وقد اشتعلت بها الشهوة الحيوانية، وقد كسد سوق الزواج عندنا ؟ إنَّ الأمر فيها غير محتاج لتفكير ولا تردد ؛ ولذلك تقرأ في الجرائد اليومية كل يوم إعلانات عن شبان وشابات انقطعوا عن بيوتهم فجأة دون أن يعرف لهم مقرّ. ليتأكد أهلهم أنَّهم لا يرجعون إليهم أبدا ، وقد وصلوا إلى إشباع نفوسهم من لذاتها البهيمية.

وأما الفقر: فالشبكة الواسعة التي يصيدون بها الكثير من المحتاجين صغاراً أو كباراً، صبياناً أو بنات، يبحثون عنهم، ولهم صبر عظيم على البحث، فإذا وجدوا ضالَّتهم عرضوا عليهم من المآكل والمشارب والملابس والمرتّبات اليومية أو الشهرية ما لا يحلمون به، وانظر أنت من تُهدّده الفاقة كل يوم بالموت الحقيقي فوق موته الأدبي، ماذا يكون منه إذا رأى من يقف أمامه موقف رسل الرحمة، يُظهرون له من العطف والوداد مايظهرون، ثم يمطرونه ذهبًا وفضة ؟ إنَّ الأمر فيه واضح ثم واضح، ولقد بهر هذا المال الكثير حتى ممَّن ل?سوا بمحتاجين.

زارني يوما جمع من الشبان الموسرين، واستفتوني: هل يجوز لهم أنَّ يظهروا موافقة المبشرين فيما يدعون إليه للوصول إلى ما يغدقون من مال على من يوافقهم؟ فلما أفتيتهم بأن ذلك لا يجوز راجعوني وألحُّوا في المراجعة لعلهم يجدون مني جواباً يُجيز، ولما رأوا مني غير ما يأملون أخبروني بأخبار مدهشة تدلُّ على أنَّ المال لا قيمة له عند أولئك المبشِّرين في سبيل تبشيرهم، وإذا كان المال فتنة للموسرين فكيف لا يكون فتنة للجائع العريان الهائم في الأرض لا يجد فَلْساً واحداً !!

ومن شباك هؤلاء الناس التي يصيدون بها الفقراء منا: مستشفياتهم التي يقولون أنَّهم بنوها خدمة للإنسانية، إنَّهم ليسوا بصادقين في قولهم هذا، وإنما بنوها ليؤمَّها الفقراء إذا مرضوا واشتدَّ عليهم المرض وبرَّحت بهم الآلام ولم يجدوا من المال ما يدفعونه للأطباء الخصوصيين، ولم يجدوا من مستشفياتنا المجانية صدوراً رحبة تسعهم ، ولا في قلوب موظفيها رحمة تعطف عليهم، بل إذا رُدّوا رُدُّوا بالدفع في الأقفاء، وقد يكون معه الشتم، وقد يكون معهما الضرب , أما تلك المستشفيات الإغوائية فحالتها تُغري كل الإغراء على الذهاب إليها، وكيف لا وهم يستقبلون المرضى بوجوه كلها بشر ولطف، وبعطف دونه عطف الآباء والأمهات داخلاً وخارجاً، وانتُقي لها من الأطباء: الحاذقون المهرة، والثمن الذي يدفعه المريض لكل هذه العناية أن يسمع لخطبائهم ووعاظهم ما?لقونه إليه مهما كان بعيداً عن العقل ومهما كان كفراً بالله تعالى وشريعته، ولو حاول بعض المرضى أن يناقش المبشر يُطرد حالاً طرْداً لارجوع بعده جزاءاً له على ذلك، لهذا يسمع أولئك المرضى مرغمين وأنت تعلم مبلغ تأثير أولئك المبشرين على عقائد أولئك المرضى فإنَّ الغالب فيهم من العامَّة، ولعلهم لا يخرجون من المستشفى إلا وقد تزلزلت عقائدهم، وأصبحوا على حافة الكفر إن لم يكونوا كفروا، وكم كفّروا بهذه المستشفيات من مؤمنين.

وأما الجهل: فهو الطريق الأعظم الذي منه يصلون إلى بغيتهم، ولهم في استخدامه طرق ثلاثة: 

أولاً: أنديتهم الخاصَّة.

ثانياً: مدارسهم الخاصَّة.

ثالثاً: تنقلاتهم العامَّة.

أما تنقلاتهم فهي حركاتهم التي لاتهدأ، يمشون في الطرق ويجوسون خلال البلاد، ويدخلون البيوت، يتوددون إلى الجهلة من المؤمنين، ويظهرون لهم من اللطف ما يعجبهم، ويتحدثون معهم في المسائل الدينية بلهجة خلابة طليَّة، كثيراً ما تستهوي نفوس البسطاء فيطيعونهم في كلِّ مايقولون أو في بعضه وكلٌّ شرٌّ عظيم، ومن هذا الشر ما تراه من كثير من نساء المسلمين من تعظيم الصليب تعظيماً أخشى عليهن منه الكفر، وهذا تعبير احتراس فقط، وإلا فإنَّ ذلك التعظيم يصل به إلى أن يرسمن صورة ذلك الصليب على كل شيء في بيوتهن حتى جدران البيوت وحت? درجات السلَّم، بل لأكثر من هذا وصلوا وهو أن يرسمنه على أولادهنَّ إذا مرضوا، وعلى أمتعة البيوت ليبارك فيها، بل وعلى جباه الحيوانات لهذا القصد، وهل من تفعل ذلك مسلمة؟ أما أنا فأتوقف في ذلك.

وأما المدارس الخاصة بهم: فقد زعموا أنَّهم إنَّما بنوها خدمة للمسلمين في أشخاص أبنائهم وبناتهم الصغار، ويظهرون من العناية في الخدمة ما لا يوجد في مدارسنا، مواقع للمدارس تعجب الصحة جداً، وأبنية لهذه المدارس تعجب الناظرين، ومعلمون من الكفاية والاهتمام بوظائفهم بالدرجة الأولى، ولهذه العوامل المغرية يفضل هذه المدارس كثير منا، بل من عظمائنا وسراتنا - على مدارسنا - ولكنهم لايدرون ما وراء ذلك، إنَّ الذي وراءه ، أنَّهم لا يفرِّقون في تلك المدارس بين أبنائنا وأبنائهم، بل الكل يتمرنون يومياً على أداء عباداتهم، ويتلقّون دينهم كمادة أساسية يسقط من لم يجد الإجابة فيها في الامتحان ، وبهذه الحالة ينشأ الطفل من صغره إلى بلوغه مبلغ التكليف على دين غير دين الإسلام، هوالمسيحية علماً وعملاً، أما الإسلام فلا يعرف منه كلمة: هكذا يعمل أولئك الناس في مدارسهم مع أبنائنا وبناتنا، وهل يكون مسلماً من يتربى هذه التربية؟ أنا لا أصدِّق، إلا إذا كان مسلماً اسماً فقط، وأما معنىً فلا، ثم لا.

وأما أنديتهم الخاصَّة: فهي أماكن فخمة يدعون إليها الجهلة منا في مواعيد معروفة، وفيهم يقوم أولئك المبشرون الواحد بعد الواحد ويستعملون كل ما يستطيعون من إغواء وتضليل لأولئك المساكين، ولا تنس أنَّ لهم من الأكاذيب في الطعن على الإسلام، وعلى نبي الإسلام، وعلى أهل الإسلام ما لا يتصوره عقل، كما أنَّ لهم من الأكاذيب في مدح دينهم ومدح أهله ما لا يقف عند حد، يفعلون كل ذلك حيث يسمع المسلم الجاهل الذي لا يعرف من الإسلام الا اسمه، وليس له من العقل ما يُميِّز حقاً من باطل، فماذا تقول في مثل هذا وهو يسمع ما لا يقدر على دفعه ؟ ألست معي في أنَّ هذا إن لم يكفر ظاهراً ?كفر باطناً ؟ ولا تظن أنَّ هذه الأندية قليلة، لا تظن هذا، واعلم أنها كثيرة وكثيرة، وواردوها من المسلمين كثير وكثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

لقد كنا نظن قبل هذه الأيام أن دعوة أولئك المبشرين لدينهم قاصرة على الكلام بكذبه وتدليسه وغشه، لكن هذه الأيام كشفت لنا أنَّ لهم طريقين في منتهى الخطر على من يدعونه من المسلمين:

أحد الطريقين: الضرب والتعذيب الشديد الذي به يسلس قياد الفتى أو الفتاة، فإنَّا لا نظن أحدا من الناشئين يتحمل العذاب في سبيل دينه.

والطريق الثاني: التنويم المغناطيسي الذي به يسيطر المنوِّم على من ينوِّمه سيطرة يقضي بها على إرادته ويجعله أمامه كالجماد يحركه كما يشاء، وحينئذ يصدِّر له ما يصدِّر من الأوامر، وهل من يصل إلى هذه الحالة يمانع في أمر الكفر!! ولا تنس طريق الشهوة الذي سبق شرحه.

هذا ما وصل إلينا علمه من أعمال أولئك المناحيس، ولعلَّ لهم من الطرق ما لم يصل إلينا، وأنا لا أشك في أنَّ ما يعمله معنا أولئك الناس من تلك الطرق الخطرة دونه بكثير وكثير حروبُهم الصليبية، وأيُّ حرب كهذه يعلنونها علينا مهما كان هولها وشدتها وانتصارهم فيها علينا، إنَّهم مهما فعلوا في حروبهم الماديَّة لا يفعلون بنا أكثر من القتل، ومعروف أنَّ من يقتل بيدهم منا دون دينه، يموت أشرف موتة، فإنَّه بها يحوز درجة الشهادة، وهي درجة معروف قدرها في دين الإسلام، أمَّا هذه الحرب فعاقبتها الكفر والارتداد عن د?ن الإسلام، وجزاء الأول: جنة عرضها السماوات والأرض في درجاتها العلى، وجزاء الثاني: جهنم أبد الآبدين ودهر الداهرين.

تقتصر اليوم على شرح ما فعلوا تخفيفاً على القارئ.

وموعدنا بما نفعله معهم المقال الآتي إنَّ شاء ربنا ومالك نواصينا سبحانه وتعالى، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم 

من كتاب النهضة الإصلاحية للأسرة المسلمة 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين