النموذج أولا

ليس المشكلة في وجود أناس نفعيين أو خفيفي الدين في مجتمع المسلمين بل المشكلة في عدم وجود الحاضنة والنموذج الحيّ الذي يحتويهم ويؤيهم ويؤثر فيهم ويرتقي بهم.

في صحيح مسلم عن انس بن مالك قال: "إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها". 

إن الانشغال ببناء النموذج القدوة هو الأصل الذي عمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي سيمثل مصدر الجذب والمثال المغري لطبقات الناس كي يحتذوا حذوه ويتَّبعوا أثره فيرتقي فيه السابق بالخيرات.

ويتحرك فيه المقتصد نحو مقام أفضل.

ويتوب فيه ويتعلق به الظالم لنفسه.

لقد رضي صلى الله عليه وسلم من الأعراب وحواشي المجتمع أن يكونوا مقتصرين على ظاهر الإسلام يؤدون الفرائض

لكنه لم يرض لمجتمع المدينة والمهاجرين والأنصار إلا أن يكونوا النموذج الذي يشكل الرافعة لغيره ممَّن هو دونه من ضعاف الإيمان.

وقد ظهرت ثمرة ذلك في الردة في زمن الصدِّيق رضي الله عنه حيث بقي النموذج ثابتا صامدا متمسكا ولم يضره أن ارتد الباقون الذين ما لبثوا أن عادوا للارتباط بالنموذج الذي ارتدوا عليه.

لقد كان السلف يقولون: "طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا ان يكون لله".

فليس الإشكال في نية السوء فالوقوع في فخها وارد لكن المشكلة في عدم وجود العلم الصحيح الذي ينبهه على خطورتها وضرورة تصحيحها.

انشغل أن تكون نموذجا صالحا للاقتداء لأولادك أولا ثم انشغل بصلاحهم ثانيا.

وانشغل بنجاح مؤسستك أولا ثم انشغل بمنافسة بقية المؤسسات وملاحظة قصورها ثانيا.

وانشغل بإتقان عملك ومنتجك والإبداع فيه اولا ثم انشغل بطرحه وسبل قبوله ثانيا.

ليس المشكلة في وجود المرض بل في غياب الطبيب.

وليس المشكلة في وجود أهل المصالح والمطامع بل في غياب أهل المبادئ.

وليس المشكلة في وجود الذنب بل في افتقاد حس وأجواء التوبة. 

(كن على القمة سيرمقك ويصعد إليك من في السفوح)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين