تأملات وخواطر عن الدعاء والاستغفار

اعتدتُ في دعائي وطلبي من الله أن أقدم الاستغفار وطلب التوبة بين يدي هذا الدعاء وهذا الطلب؛ اعترافا بضعفي وتقصيري، ورجاءَ أن يكون ذلك توطئة مناسبة من شأنها أن تستجلب الإجابة والعطاء من رب السماء.

وحين فتشتُ في نفسي وجدت من الدوافع لهذا الاستغفار التلقائي العفوي قُبَيلَ الطلب من الله،

ما يأتي:

أولا: للتنقية والتخلية والصفاء الذي يجعلني مؤهلا لإفضاله وإنعامه - سبحانه -.

ثانيا: للاستعطاف واستجلاب الخير واستمطاره؛ إذ من شأن ذي الرحمة والعطف والكرم أن ينعم على من يعترف بخطئه وزللِه بين يديه، ولله في ذلك المثل الأعلى.

ثالثا: هو استغفار مقدَّم لما قد يعتري الدعاء من تجاوز أو قلة يقين أو استعجال أو تسخُّط،

إلى غير تلك من الدوافع والأسباب.

وبعد ذلك قررت أن أتأمل في كتاب الله الذي (لا يأتيه الباطل)، علِّي أجد ما يَشفي غليلي ويعزز فكرتي، فإذا بي أجد الكثير والكثير من المواضع التي تحتوي على دعاء وطلب، فتستفتح بالاستغفار والتوبة،

ولو تأملنا في أدعية القرآن على لسان الأنبياء - عليهم السلام- لوجدنا ذلك جليا؛

فها هو سليمان - عليه السلام- لما أراد من الله أن يهبَه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده استفتح الطلب بالاستغفار (ربِّ اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي)،

وها هم الربانيون في أرض القتال يطلبون من الله أن يثبت أقدامهم غيرَ مُغفِلين الاستغفار والاعتراف (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبِّت أقدامَنا وانصرنا على القوم الكافرين)، 

بل إن الاستغفار ذاتَه قد يغني عن الطلب ذاته، فيفتح الله على عبده ويعطيه ويمنحه لمجرد هذا الاعتراف بين يديه؛ فهذا يونس - عليه السلام- في غمّه وكربتِه لم يزد على أن قال (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فكانت الإجابة (فاستجبنا له ونجيناه من الغمّ)، 

ولم يطلب نوح - عليه السلام- من قومه سوى هذا البلسم الشافي والحل الكافي (الاستغفار) (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) لتكون العاقبة (يرسل السماء عليكم مدرارا ويُمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنَّات ويجعل لكم أنهارا)،

فاللهم اغفر لنا وتب علينا وسامحنا، رباه إن حالَنا يغني عن سؤالنا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين