لا توجد حروف زائدة في القرآن الكريم

#الكشف_عن_وهمٍ_لم_يقصده_علماء_النحو

أحياناً نجد بعض النحويين والمفسرين يطلقون على بعض الحروف الواردة في بعض الكلمات القرآنية بأنها زائدة ، فيظن البعض أمثال المهندس الكيالي وغيره أنها زيدت عبثاً ، وليس لها أي أهمية في المعنى المراد في الآية الكريمة .

والحقيقة أن هذا فهم خطأ لمراد النحويين ، وتشويه لهم وخاصة من غير المتخصصين في علوم اللغة العربية وتحديداً علم البلاغة والبيان .

قال العلامة الزركشي : ( فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى ).

اتفق علماء اللغة والمفسرون على أن الكلام البليغ يمتنع أن يوجد فيه الزيادة المحضة التي يكون دخولها كخروجها، فإذا كان هذا من شروط الكلام البليغ فهو في القرآن الكريم أولى، ولذلك نبّهوا على أن القرآن لا يحتوي على شيء زائد، ونبّهوا على أن النحويين إذا ذكروا الزيادة والحشو ونحو ذلك فإن مقصودهم بذلك ضبط قوانين الإعراب، وأن حذف هذه الحروف لا يخل بالإعراب.

وهنا يأتي دور علماء البلاغة لبيان الفروق الدقيقة بين معنى الكلام بالزيادة ومعناه بغيرها، ويشرحون أن هذه الحروف لها معنى أصيل في الكلام ، ولو حذفت لاختلّ المراد ولم يؤد الغرض المطلوب الذي جاءت الآية لتأكيده .

قال العلامة الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن " : ( تجنب لفظ الزائد في كتاب الله تعالى أو التكرار ولا يجوز إطلاقه إلا بتأويل كقولهم الباء زائدة ونحوه مرادهم أن الكلام لا يختل معناه بحذفها لا أنه لا فائدة فيه أصلا فإن ذلك لا يحتمل من متكلم فضلا عن كلام الحكيم).

وأضرب على ذلك مثالين جاءا في آيتين 

1- قوله تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) فعلماء النحو يقولون "ما" في قوله "فَبِمَا" زائدة من الناحية الإعرابية 

2- وقوله تعالى : ( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ) وعلماء النحو يقولون "أَنْ" زائدة من الناحية الإعرابية .

ولبيان المعنى البلاغي في هاتين الآيتين 

يقول عملاق الأدب العربي مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في كتابه "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" :

( ثم الكلمات التي يظن أنها زائدة في القرآن كما يقول النحاة، فإن فيه من ذلك أحرفا: كقوله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ"

وقوله : "فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا"

فإن النحاة يقولون إن "ما" في الآية الأولى و "أن" في الثانية زائدتان، أي في الإعراب، فيظن من لا بصر له أنهما كذلك في النظم ويقيس عليه، مع أن في هذه الزيادة لونًا من التصوير لو هو حذف من الكلام لذهب بكثير من حسنه وروعته، فإن المراد بالآية الأولى تصوير لين النبي لقومه وإن ذلك رحمة من الله، فجاء هذا المد في "ما" وصفا لفظيا يؤكد معنى اللين ويفخمه، وفوق ذلك فإن لهجة النطق به تشعر بانعطاف وعناية لا يبتدأ هذا المعنى بأحسن منهما في بلاغة السياق، ثم كان الفصل بين الباء الجارة ومجرورها (وهو لفظ رحمة) مما يلفت النفس إلى تدبر المعنى وينبه الفكر على قيمة الرحمة فيه، وذلك كله طبعي في بلاغة الآية كما ترى.

والمراد بالثانية تصوير الفصل الذي كان بين قيام البشير بقميص يوسف وبين مجيئه لبعد ما كان بين يوسف وأبيه ، وأن ذلك كأنه كان منتظرا بقلق واضطراب تؤكدهما وتصف الطرب لمقدمه واستقراره غنةُ هذه النون في الكلمة الفاصلة وهي "أن"في قوله "أن جاء" ) .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين