الليبرالية والليبراليون(2)

 

الليبرالية في المنظور الإسلامي:

 

تقدم في المقالة السابقة بيان حقيقة " الليبرالية " وأن فكرتها غربية مستوردة، وهي ليست من إنتاج المسلمين، بل إنها تنفي ارتباطها بالأديان عموماً، وتعتبر ها قيودًا ثقيلة على الحريات، فلابد من التخلص منها، وهي بهذه الأوصاف مناقضة للإسلام في أصوله ومنهجه وأخلاقه وقيمه.

أما محاولة التوفيق بين الليبرالية والإسلام فهو تغيير لمفهوم كل واحد منهما، وتبديل لمعناه بحيث يخرجه عن حقيقته إلى مفهوم مُشَوَّه، وصورة غير صحيحة لكل منهما.

ومن البديهي أن يُقال: إن فلاسفة الليبرالية ومفكريها الذين وضعوا أصولها في فترات مختلفة قد شكلوها خارج إطار الأديان جميعًا، ولم يَدَّعِ أحد منهم ارتباطها بدين من الأديان ولو كان دينًا محرفًا.

ومع هذا الوضوح يبقى من يُصِرُّ من المسلمين على أنه بالإمكان الجمع بين منهج مادي يرفض تعاليم الأديان، ومنهج الإسلام الرباني، إما أنه لم يستوعب مفهوم الليبرالية، أو أنه مدلس مكابر يخلط السم بالعسل!!! وبيان هذا فيما يلي:

 

شواهد على ضلال الليبرالية وأصحابها:

1 ـ إن من يتمعن في الليبرالية يجد أنها دعوة إلى الإلحاد ورفض الأديان حيث لا تعترف بهيمنة الدين على الحياة الإنسانية، فقد نمت هذه الفكرة في أجواء رافضة للدين، ومعترضة عليه، وهي تريد أن تعطي الإنسان حريته المطلقة بالتحلل من قيود الأديان والقيم والأخلاق، فأساس الفكرة قائم على تعظيم العقل الإنساني وماديته والتنكر للدين وقيمه وشعائره...

 

2 ـ من مظاهر الفكر الليبرالي: استباحة المحرمات؛ لأنها أساساً لا تعترف بالأديان، ولا يمكن أن يكون الرجل ليبراليًّا وهو يعتقد تحريم الربا، كما أنه لا يمكن أن يكون ليبراليًّا وهو يعتقد تحريم الزنا والتبرج والشذوذ الجنسي لأن هذا يناقض الحرية الشخصية في زعمهم، ولا يمكن له أن يكون ليبرالياً وهو يعتقد بوجوب الاحتكام للإسلام وتطبيق تعاليمه...إلخ.

 

هل هناك ليبرالية إسلامية؟

شاعت على ألسنة بعضهم عبارة " الليبرالية الإسلامية " التي تتيح للإنسان حريته المسئولة عن تصرفاته من خلال سلوك يحكمه الدين!! ولا يخفى أن في هذا تغييراً للحقائق وخلطاً للمفاهيم، وهو أمر غير جائز شرعاً؛ لأنه ـ في ضوء ما تقدم عن الليبرالية ـ جمع بين النقيضين، فإذا كانت الليبرالية الإسلامية تعني التقيد بالدين، فأي فائدة لكلمة الليبرالية، فإن التقيد بالدين داخل في مفهوم الإسلام، فأي جديد أضافته كلمة الليبرالية حتى يقال: ليبرالية إسلامية؟!

 

ثم إن هذا المصطلح الخادع يُوهم التقارب بين الإسلام والليبرالية، ويسمح بتمرير ضلالات الليبرالية إلى قلوب عوام الناس وعقولهم وهم لا يشعرون، وهذا لا ريب أنه محظور عظيم يجب سَدّ الطرق المفضية إليه.

خطورة تمويه المصطلحات وخلط بعضها ببعض:

لا يخفى أن الإسلام منهج إلهي عظيم متكامل، والجمع بينه وبين المذاهب البشرية الوضعية طَعْنٌ فيه بالنقص، وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3).

 

يضاف إلى هذا أن القرآن الكريم منع استعمال الألفاظ والمصطلحات المحتملة، التي فيها التعريض للتنقيص فقال سبحانه: ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا ). والمقصود بالآية: نهي المسلمين عن قول: " راعنا " التي يراد بها الرعونة في استعمالات اليهود، فأمر المؤمنين أن يتخيروا بدائل لها من الألفاظ الحسنة ومن المعاني المهذبة. قال ابن عباس: كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا. على جهة الطلب والرغبة - من المراعاة - أي التفت إلينا، وكان هذا بلسان اليهود سبَّاً وشتيمة يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية تنهاهم عن ذلك لئلا يُقصد المعنى الفاسد فيها.

انظر الحلقة الأولى هـــنا

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين