أيها المعترضون على مقالتي [ صور من شغب الزنادقة المعاصرين على صحيح البخاري ]

 

هل ساءكم أن يُهاجَمَ الشيخ ميزو .؟

1 - ما كنت أعلم أني سأكون بهذا المقال ؛ كمن أدخل عودا في كور الزنابير ، فخرجتْ إليه زنابيره بالمئات ، مشرعةً إبرها من ذيولها ؛ لتنفث فيه سمومها.. فهل ( الدجال ميزو ) أخ لكم من دوني ، وما كنت أدري .؟ 

على رسلكم يا قوم ، فإن (الشيخ ميزو) ليس مسلما ، فهو لا يحسن قراءة الفاتحة ، ولا يستقيم لسانه بآية من كتاب الله ، وليس أزهرياً ، وإنما هو عضو في جمعية فرنسية استشراقية ، يشرف عليها ويمولها عدد من القساوسة ، أُعدت لمحاربة الإسلام والعبث بالكتاب والسنة . فابحثوا عن الرجل لتعلموا علمي به . وتكفُّوا عن لومي بوصفي له بالزندقة ، فهو أكثر من زنديق ، إنه عدوُّ دينٍ دخيلٌ علينا ، يضطلع بمهمة هدامة .. فلا تهاجموا من هاجمه ، وقام بأداء واجب كفائي نيابة عنكم .. 

على رسلكم يا مشايخ ، فإن (الشيخ ميزو ) غني عن دفاعكم عنه ، فهو غير متروك لمن يتفرد به من أمثالي ، وإنما وراءه جيش من المنافحين عنه بأقلام مأجورة وألسنة حداد [ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ] أَيْ إِنْ لم يُوَالِ بعضكم بعضاً ، كما يفعلُ أعداؤكم فيما بينهم ؛ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ .

لقد وصلني حتى الآن أربعة ردود ، تُسفّهُ مقالي انتصاراً ( للشيخ زيزو )، وحميَّة للنفس والهوى والشيطان ، فمن قائل: [ لا أرى المقال صالحا (؟) للنشر]، وقائل: [ المقالُ لا يجوز (؟) نشره في نظري ]، وقائل: [ لا أظنّ (؟) أنّ البحث بصورته الحاليّة يصلح للنشر ] أما رابعهم فقال بأسلوبه المتعالي :[ لا أرى الاشتغال(؟) بالأجوبة التي ذكرها الباحثُ ما دام لم يصحَّ السند .. وهذا ليس بصعب الفهم وليس معقدا .] .. 

يا سبحان الله .!! ما أيسر أن يَبْخَسَ بعضُنا جُهْدَ بعض ، وما أهون أن يعيب أحدُنا أخاه بالحق وبالباطل ، وما أحبَّ لدينا أن يرميَ بعضنا بعضا بالجهل وقلة الفهم . وكأننا لم نقرأ قوله تعالى [وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ] أو أننا لم نسمع بقوله صلى الله عليه وسلم [ يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ ]، وإنه ليحزنني أن نكون على هذه السيرة ، فيما بيننا أشداءُ ، وفي مواجهة خصومنا ضعفاء .. 

أمسِ ؛ وبعدما وصلتني كتاباتُ المدافعين عن (ميزو) ، رجعت إلى بعض كتاباتهم في موقع الرابطة ، فعثرتُ فيها على أخطاء لا تحصى ، وما أذكر أنه دار في خلدي أن أتتبع عورات إخواني ، وأسفِّهَ ما كتبوا . ليقيني بأن المجتهد مأجور أخطأ أم أصاب . 

وقد آلمني حقا أن أُناصَبَ العداءَ من نفرٍ أراهم إخواني .!! وهم يُكنون لي الكراهية والبغضاء ، ويتربصون بي الدوائر . فهل هذا من الدين ؛ الذي نزعم أننا حملة رايتهُ ، وحفَّاظُ بيضته ، وحُرَّاسُ حماه .؟؟ لا والله ما هذا من الدين ، وإنما هو من عبادة الذات ، ونفخ الشيطان ونفثه وهمزه .

دخلتُ على مواقع الملحدين و العلمانيين (اللا دينيين) ، فرأيتهم فيما بينهم أحسن تعاملا منَّا ، وأصدق إخاء ، وأحسن تعبيرا ، وأكثر تهذيبا .. تشعر أنهم يحملون هما واحدا ، ويسعون إلى إقامة مجد مشترك ، وكلما وَضَعَ أحدهم لَبِنَة في البناء ؛ قُوبل من رفاقه بالشكر والتقدير .. فهم على النقيض منا تماما .. فنحن كما روى ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله " عن ابن عباس رضي الله عنه قال : خذوا العلم حيث وجدتم ، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض ، فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزربية .

إنَّ الهجمة على الإسلام والمسلمين اليوم هي على أَشُدِّها ، ولم تمرَّ الأمةُ بمحنةٍ أكبرَ مما هي فيه الآن . فإذا لم نتعلم اليوم من هذه المحنة كيف نكون يداً واحدة على من سوانا .. فليت شعري متى نتعلم .؟ 

أطلتُ في هذه المقدمة، لأنها أهمُّ من الموضوع، فنحن في تَصَارُعِنا بسبب (الشيخ ميزو) ؛ أشبهُ بعلماء بيزنطة حين شغلهم التفكيرُ في أصل البيضة والدجاجة ، عن هموم أمتهم : فكانت النتيجةُ ضياعَ بيزنطة تحت سنابك خيول أعدائها المغيرين . ولم تقم لها قائمة منذ مئات السنين . 

2 - إنني أعرف أن حديث الزهري (ضعيف)، لذلك قام ( الشيخ ميزو) بشنِّ هجومه على صحيح البخاري متخذاً من هذا الحديث الضعيف مِعوَلاً لهدم صحيح البخاري . وإسقاط قداسته من نفوس عوامِّ المسلمين . 

ومع إقرارنا بضعف هذا الحديث - المذكور في صحيح البخاري ، وهو ليس من الصحيح ، لأنه ليس على شرط البخاري في كتابه الجامع الصحيح – أقول مع إقرارنا بهذا؛ فإنني أرى أنه ليس من الحكمة مصارحةُ العوامِّ بضعفه في منشور عام ، لأنه لو قلنا لهم : " إن هذا الأثر الموجود في ثنايا صحيح البخاري هو حديث مرسل (ضعيف) "، فسوف تستقرُّ في أذهانهم مزاعمُ ( الشيخ ميزو ) بأن صحيح البخاري ليس بصحيح ، وأنه كتاب مليءٌ بالأحاديث ( الضعيفة والمكذوبة والموضوعة ) . فنكون بذلك قد قدَّمنا أعظم خدمة لأعداء السنة النبوية وخصومها ... وهذا ما حملني على كتابة مقالي بطريقة تُلجم الخصوم ، وتُرضي النابهين من طلبة العلم الشرعي ، فأشرت فيه إلى ضعف أثر الزهري لأنه أحد بلاغاته ، دون أن أصرح بكلمة ( ضعيف ) ، لئلا نشوش بذلك على العامَّة ، أو نخدمَ أعداء السنة من حيث ندري .. ولا ندري ..

3 - ومع ذلك ؛ فمن وُجْهَة نظري أنه لو صحَّ حديثُ الزهري ، أو لو سلَّمنا جدلاً للخصم بصحة هذا الحديث ، فلن يترتب على ذلك محظورٌ البتَّة ، لأن (ذلك الهمَّ من النبي صلى الله عليه وسلم بالتردي من شواهق الجبال) إنما كان قبل النبوة ، وقبل نزول التكاليف الشرعية ؛ وقبل بيان الحلال والحرام . وهو من قبيل الهمِّ بالشيء دون فعله ، ولهذه الاعتبارات مجتمعة؛ لا أرى ذلك الهمَّ مما يُخلُّ بمقام النبوة، أو يَخْدِشُ العصمة، خصوصا وأن الله تعالى تجاوز لهذه الأمة عن حديث النفس . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :[ إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ ، أَوْ تَتَكَلَّمْ ] صحيح البخاري . وللعلم ؛ إن القاضي عياض وغيره من كُتَّاب السيرة النبوية العطرة ؛ قد أجابوا بشيء مما قلته الآن ..

ولكن هذه الإجابات على وجاهتها وقوة إقناعها لم تُعجِبْ المعترضين ، لأنها إجابات غير تقليدية ، فهم يريدون أن نقول [ حديث الزهري ضعيف " وهو بلاغ مرسلٌ لا يُحتجُّ به ..وانتهى] ولو قلنا هذا لفتحنا للخصوم بابا للتشكيك من جديد . فسوف يقولون : ما دام الحديث ضعيفا ؛ فلماذا يذكره البخاري في كتابه الذي يسميه (الصحيح) وهو مليء بالأحاديث الضعيفة والموضوعة .؟ فإذا قلنا لهم : إن للبخاري أغراضا خاصة من وراء ذلك ، بَعضُهَا يرجع لأمور حديثية ، وبعضُها يرجع لأمور فقهية .!! فسوف ندخل مع الخصوم جرَّاء ذلك في دوامة نقاش عقيم ، لن يستوعبه العوام ، ولن يُفيدَ منه سوى القائلين : بأن القول بصحة صحيح البخاري ، ما هو إلا "حديث خرافة يا أم عمرو " .. 

4 - الواقع ، أنا الآن في ورطة ، فإما أنْ أخذُل الحقيقة وأرتاح ، وإما أنْ أَنصُرَها وأُسْتَجَرَّ إلى تَبِادُل المهاترات مع هؤلاء المعترضين . 

فهم لا يرضون أن نتهمهم بالجهل ولا بعدم الحكمة ، ولا يرضون أن نخالفهم في الرأي فهم على مذهب القائل { مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى }، ثم إنهم لا يرضون كذلك أن نلزمهم بأدب الحوار . ولا يرضون أن يُذكَّروا بأن على الصغار توقيرَ الكبار (عفواً لا أقصدُ هنا كِبَرَ القَدْرِ وإنما كِبَرَ السنِّ ) .. أما تذكيرُهُمْ بأن يَعرِفُوا للعالم حقَّه ، - فمعاذ الله - تلك قضية أخرى ، غيرُ قابلة للنَّظر ، فهم يرون أنفسهم فوق أئمة الهدى ؛ الشافعي وأبي حنيفة والبخاري والزهري وأمثالهم .. حتى إن أحدهم كان ينشر مقالات يعبثُ فيها بصحيح البخاري ، وكأنه واحدٌ من زمرة ( الشيخ ميزو ) . 

إنني يا سادة لم أخرج في مقالي عن جادة الصواب ، ولا جانبتُ أساليب العرب في طريقة الخطاب . فقد كلمتُ الخصوم على قدر عقولهم . وصحيحٌ أن خصومنا مثقفون، ولكنَّ ثقافتهم غربية ، أما بضاعتهم من الثقافة الإسلامية فمُزجاة ، ولا يعرفون من تاريخ الإسلام سوى ما لقنهم إياه جورجي زيدان في روايات الهلال . فهم يزعمون أن صحيح البخاري كتاب مليء بالأكاذيب، ويزعم شيخُهم ميزو أن هذا الصحيح كتبه رجل أعجمي اسمه [جُمْعَةُ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ] فهو يسمي البخاري (جُمْعَة) . فتخيلوا ؛ كيف يمكن أن نُحَاوِرَ جاهلاً مثلُ هذا ؟ 

هل ترون أنه كان من الحكمة ؛ أن يُناقَشَ هذا الجاهل الكذاب بما قاله أئمة الجرح والتعديل ؟؟ في ضابط الحديث الصحيح ، والضعيف ، وحكم البلاغات والمراسيل ، والحديث المنقطع والمعضل ؟ إن هذه الألفاظ غريبة عنه وعن جمهوره الذي يصغي إليه ، وكلهم من أمثاله .

5 - وأزيدكم إيضاحا في قضيتنا (محل النزاع) ، فأقول : إن هذا الأسلوب الذي كُتِبَ به المقال ، ولم يعجبكم ، بل كان محل ازدرائكم ؛ هو أسلوب مستوحى من القرآن الكريم، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم [ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ] أي قل لهم ذلك جدلا وإفحاما ، ومن هذا الأسلوب قول سعيد بن جبير حين قال له الحجاج بن يوسف : والله لأُبدلنَّك بالدنيا ناراً تَلَظَّى .. فقال سعيد : لو عرفتُ أنَّ ذلك إليك ما عبدتُ إلهاً غيرك . 

إن التسليم للخصم بدعواه يا سادة ليس اعترافا بدعوى الخصم ، وإنما هو أسلوبٌ لإلزامه بالحجة وقطعه في الجدل . والحمد لله رب العالمين .

المدينة المنورة : 20 / 1 / 1440هـ

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين