هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء؟ 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وبعد، فهل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء؟، أو هو بدعة أموية؟: 

رُوي هذا الحديث عن عبد الله بن عباس وأبي موسى الأشعري وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن مسعود وعائشة والرُبَيـِّع بنت مُعَوِّذ وعبد الله بن عمر ومعاوية بن أبي سفيان وجابر بن سمرة وعبد الله بن بدر الجهني ومحمد بن صيفي وعلي بن أبي طالب وغيرهم: 

* ـ فأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فرواه البخاري ومسلم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن حنبل والدارمي والنَسائي في الكبرى وأبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم من طريقين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال "ما هذا؟"، فقالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومُ نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى شكرا لله، ونحن نصومه تعظيما له. فقال: "فأنا أحق بموسى منكم". فصامه وأمر بصيامه. سنده صحيح. 

* ـ وأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فرواه البخاري ومسلم وابن حنبل من طرق عن حماد بن أسامة عن أبي عميس عتبة بن عبد الله بن عتبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى أنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه، فقال: "نحن أحق بصومه". فأمر بصومه. سنده صحيح. 

* ـ وأما حديث سلمة بن الأكوع فرواه البخاري ومسلم وابن حنبل من طرق عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم أنْ أذنْ في الناس أنَّ من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء. سنده صحيح. 

* ـ وأما حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فرواه مسلم وابن أبي شيبة وابن حنبل من طرق عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس أنه قال: دخل الأشعث بن قيس على عبد الله وهو يتغدى، فقال: يا أبا محمد ادنُ إلى الغداء. فقال: أوَليس اليومُ يومَ عاشوراء؟!. فقال: هل تدري ما يوم عاشوراء؟!، إنما هو يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان، فلما نزل شهر رمضان تركه. ورواه البخاري ومسلم من طريق آخر عن ابن مسعود به نحوه. سنده صحيح. 

* ـ وأما حديث عائشة فرواه البخاري والنسائي في الكبرى والطبراني في مسند الشاميين من طريق شعيب بن أبي حمزة، ورواه مسلم وابن حنبل والطبري في تهذيب الآثار من طريق يونس بن يزيد، ورواه البخاري وابن راهويه وأبو عوانة والطبري في تهذيب الآثار من طريق سفيان بن عيينة، ورواه الشافعي في مسنده وعلي بن الجعد من طريق ابن أبي ذئب، ورواه البيهقي في معرفة السنن وأبو عوانة والطحاوي في معاني الآثار ومشكل الآثار من طريق يحيى ابن بكير وثلاثةٍ آخرين عن الليث بن سعد عن عُقيل بن خالد، خمستهم عن الزهري عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فُرِض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر. سنده صحيح. 

* ـ وأما حديث الرُبَيِّع بنت معوذ فرواه البخاري ومسلم وابن راهويه وابن حنبل من طرق عن خالد بن ذكوان عن الرُبَيِّع بنت معوذ أنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرا فليتمَّ بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم. سنده جيد. 

* ـ وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فرواه البخاري عن مسدد عن إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر أنه قال: صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فـُرض رمضان ترك. ورواه ابن حنبل عن ابن علية به، ورواه البزار من طريق سلمة بن علقمة وكذا الطبريُّ في تهذيب الآثار من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، كلاهما عن نافع عن ابن عمر به نحوه. سنده صحيح. 

ورواه ابن خزيمة والبخاري وأبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم من أربعة طرق عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اليوم عاشوراء، فمن شاء فليصمه، ومن شاء فليفطر". 

* ـ وأما حديث معاوية بن أبي سفيان فرواه مالك والشافعي والبخاري ومسلم من ثلاثة طرق عن ابن شهاب الزهري عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية يوم عاشوراء عام حجَّ وهو على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم: "هذا يوم عاشوراء، ولم يُكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر". 

سنده صحيح، لكن فيه إدراج في المتن، فقد رواه النسائي في السنن الكبرى عن أبي داود عن يعقوب عن أبيه عن صالح عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يخطب الناس بالمدينة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه". وإني صائم، معاوية يقول ذلك، فمن أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر. [أبو داود سليمان بن سيف الحراني ثقة مات سنة 272. يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم مدني نزيل بغداد ثقة مات سنة 208. أبوه مدني نزيل بغداد ثقة مات سنة 184. صالح بن كيسان مدني ثقة مات بعد سنة 140. ابن شهاب الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله مدني ثقة إمام مات سنة 124. حميد بن عبد الرحمن بن عوف مدني ثقة مات سنة 95]. فهذا إسناد صحيح، وفيه التصريح بأن هذا الجزء هو من قول معاوية. 

* ـ وأما حديث جابر بن سَمُرة فرواه مسلم من طريق جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فـُرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده. [جعفر بن أبي ثور ذكره ابن حبان في الثقات وقال عنه علي بن المديني مجهول]. سنده ليس بقوي، ولكنه لا بأس به في الشواهد. 

* ـ وأما حديث عبد الله بن بدر الجهني فرواه ابن حنبل وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني والطبراني في مسند الشاميين من طرق عن معاوية بن سلام أنه قال: سمعت يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني بعجة بن عبد الله أن أباه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم يوما: "هذا يوم عاشوراء فصوموا". فقال رجل من بني عمرو بن عوف: يا رسول الله، إني تركت قومي منهم صائم ومنهم مفطر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب إليهم، فمن كان منهم مفطرا فليتمَّ صومَه". سنده جيد. 

* ـ وأما حديث محمد بن صيفي فرواه ابن أبي شيبة وابن حنبل وابن ماجه والنسائي وابن خزيمة والطحاوي في مشكل الآثار وابن حبان من طرق عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن محمد بن صيفي أنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: "أمنْكم أحد طَعِم اليوم؟!". فقلنا: منا من طَعِم ومنا من لم يطْعَم. فقال: "أتموا بقية يومكم من كان طعِم ومن لم يطعَم، وأرسلوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم". يعني بأهل العروض من حول المدينة. سنده لا بأس به. 

* ـ ولحكمة لا نعلمها فقد وقع مقتلُ سبطِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الإمامِ الشهيد الحسينِ بن علي رضي الله عنهما في يوم عاشوراء، وعلى هذا فإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك ـ يا ريحانة رسول الله ـ لمحزونون. 

* ـ الخلاصة: 

حديث صيام يوم عاشوراء صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. 

يوم عاشوراء يُصام استحبابا لأن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه. 

من قال بأن هذا الحديث هو من وضع الأمويين ومن شايعهم فكلامه مجانب للصواب. 

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 26/ 1/ 1436، الموافق 19/ 11/ 2014، سوى بعض التعديلات اليسيرة، والحمد لله رب العالين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين