الثورة السورية لم تمت بعد.. والاحتمالات كلها مفتوحة


صحيح أن الصورة المتبادرة إلى الذهن بعد تراجع الثورة السورية وانحصارها في محافظة إدلب هي صورة قاتمة، خصوصا مع اصطفاف قوى كبرى إلى جانب المجرم كروسيا وإيران والميليشيات الطائفية، إلى جانب تأييد بقية القوى في العالم بقاء الأسد في الحكم وعدم دعمها للثورة، بل دعمها لمشاريع انفصالية معادية للثورة كالميليشيات الكردية الانفصالية.
هذه الصورة تبعث على اليأس، ولكن من ناحية أخرى هناك أسباب واقعية أخرى تسمح بفسحة أمل، وهي:
- تجمّع المقاتلين من جميع أنحاء سوريا في إدلب، وهؤلاء لهم خبرة في قتال عصابة الأسد منذ اندلاع الثورة، وليس من السهل كسرهم، مع ما لديهم من أسلحة وذخيرة.
- محافظة إدلب هي المعقل الأخير للثورة، ولم يعد هناك مكان آخر للنزوح إليه وقتال عصابة الأسد من جديد، وهذا يدفع المقاتلين إلى الاستشراس في الدفاع عنها، وليس من السهل على عصابة الأسد ومن يدعمها اجتياح إدلب مع هذا العدد من المقاتلين، ليس مستحيلا ولكنه ليس سهلا.
- جميع التجارب السابقة جعلت الثوار يدركون أنهم مضطرون للوحدة، وهذا أمر لا تكفي فيه المشاعر، بل يحتاج إلى جهود عظيمة لتشكيل نموذج أقرب ما يكون لنموذج حرب البوسنة، حيث كان البوسنيون ممثّلين بجيش عسكري واحد له قيادة سياسية واحدة، وقد أدرك الثوار أنّ حالة القيادات العسكرية المتعددة فاشلة، وأن حالة القيادة السياسية الخارجية المنفصلة عن القيادة العسكرية فاشلة، وأنه لا فلاح إلا بوجود رأس سياسي واحد له مطالب واحدة وجسم تفاوضي واحد ملتحم بجسد عسكري واحد.
لا أحد يعلم الغيب، فقد تنكسر الثورة، ولكن الجزم بنهايتها كنتيجة وحيدة للتفكير الواقعي البعيد عن الأحلام أمر غير صحيح، فما ذكرتُه أعلاه عناصر واقعية أيضا، ولو تم استغلالها حتى آخر مدى لأحدثت فارقا في ميزان القوى.
وإلى جانب هذه الأسباب المادية الواقعية، لا يمكن إغفال جانب الأحلام، نعم الأحلام عامل مهم جدا لدفع الإنسان، وهذا ليس كلام "تنمية بشرية"، بل الواقع يدل على أن أصحاب الإنجازات العسكرية والسياسية كانوا في الغالب من أصحاب الأحلام الكبيرة، وهناك فرق بين ثوار يكافحون وهم متيقّنون من انتهاء ثورتهم، وبين ثوار يكافحون وهم على أمل بانقلاب الموازين.
الاختلاف بين الحالتين هو الذي يحدث الفرق بين الدفاع الميت اليائس وبين إبداع الخطط وتفجير المفاجآت. من مات الأمل في قلبه لن يفكر في الهجوم المباغت مثلا، ولا في وضع خطة لقلب المعركة، بل سيظل متمترسا يندب ليلته الأخيرة. أما من يحمل الأمل فهو صاحب القلب الحيّ الذي يظلّ يفكر في مخرج.
إنّ الطريق الوحيد المفتوح أمام الثوار في إدلب هو إنجاز الوحدة السياسية والعسكرية التي تمثّل نواة الحكومة التي يريدونها في أقرب وقت، وتشكيل جيش وطني له هيكلية قيادية متماسكة وإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع ما تبقى من أنظمة يمكنها تقديم شيء مهما كان قليلا، كالحكومة التركية مثلا.
ثم تجميع كل الخبرات والأدمغة التي تعتقد أن بإمكانها تقديم شيء للثورة، ومحاولة التفكير بمخارج غير تقليدية، وهنا ينبغي استحضار درس التاريخ، فالكثير من الانتصارات المفاجئة كان سببها ابتداع أساليب عسكرية غير تقليدية، هكذا انتصر المجرم نابليون على أعدائه النمساويين في بداية نبوغه العسكري، وهكذا انتصر المجرم هتلر على أعدائه بالحرب الخاطفة. لا بد من التمرّس بالخديعة والحيلة والتدبير.
واقعيا لا يوجد طريق آخر للثوار، إذا أرادوا الاستمرار في ثورتهم وتحقيق أهدافهم بخلع نظام الأسد وإعادة تشكيل حكومة سورية تعبّر عن إرادة أهل سوريا كلها ولو بعد عقد من الزمان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين