الخصائص العشرة لتربية إسلامية فعالة


بقلم: المربي الداعية محمد عادل فارس


من تعريفات التربية أنها: نشاط إنساني، فردي وجماعي، متواصل، يهدف إلى نموِّ الفرد متكيّفاً مع بيئته الطبيعية والاجتماعية...


ونفهم من التعريف أن الذي يقوم بالتربية هو الفرد نفسه، والأفراد الذين من حوله، والمجتمع بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وأن التربية تلازم الإنسان في مختلف مراحل عمره، وإن كانت أكثر ظهوراً في مراحل الطفولة والصبا، وأن من أهداف التربية تنمية الفرد بدنيّاً وخُلقياً وفكرياً وعاطفياً، بحيث يبلغ أقصى درجات الكمال التي تسمح بها إمكاناته وظروفه الذاتية، وإمكانات المجتمع والبيئة كذلك، سواء من حيث العوامل الطبيعية، أو من حيث التقدّم الإنساني...


وبديهي أن الأفراد والمجتمع، وهم يقومون بعملية التربية، يوجّهونها ويحدّدون مسارها وفق القيم التي يتبنّونها... إذ ليس هناك تربية بلا قيم!


وحين يكون الحديث عن التربية الإسلامية، فإنّ قِيَم الإسلام هي التي توجّه وتحكُم. ومن هنا نستطيع أن نستخلص خصائص التربية الإسلامية وسماتها:


1. إنها تقوم على الإيمان بالله تعالى وما ينبثق عن ذلك من الإيمان باليوم الآخر، ومن مراقبة الله في السر والعلن، وملء القلب بحبّه سبحانه وخشيته... وفي الحقيقة: إن هذا هو أهم شيء في التربية، وكما يقولون فإن الحكم على الشيء فرعٌ لتصوّره؛ فالمؤمن الذي يعلم أن الله تعالى ودود كريم، عفو غفور، منتقم جبّار: [يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ] {التغابن:4}. هذا المؤمن لا بد أنه يراقب الله تعالى في كل أحيانه، ويتحرّى ما يُرضيه، ويتّقي ما يُسخطه، وإذا ندَّت منه معصيةٌ لله كبيرةٌ أو صغيرة، فإنّه سرعان ما يفيء إلى الصواب، ويتوب إلى الله، وبذلك تكون الاستقامة عنده، والعمل الإيجابي النافع، والبُعد عن المنكرات... هي الأصل في سلوكه، وأما ما يخالف هذه الأمور فهي عثَرات عابرة، تنشأ عن الضعف البشري.


ومن مقتضى هذه الخَصِيصة أن يُبنى كل توجيه أو أمر أو نهي على الإيمان بالله والرغبة في بلوغ رضوانه وجنته، والخشية من غضبه وناره، ولا يمنع هذا أن يُذكر إلى جانب ذلك محاسن ما يُؤمر به، ومساوئ ما يُنهى عنه.


2. تنسجم مع الفطرة: فالفطرة لا تعرف لها ربّاً ولا إلهاً إلا الله، وهي تكرّم الفضائل، وتحقّر الرذائل؛ فإذا ضَعُفَ الإنسان عن فعل فضيلة، أو وقع في رذيلة، أحسّ في قرارة نفسه أنه المَلُوم المقصِّر الآثم...


ولنقرأ هذه النصوص الكريمة:
(فِطرةَ الله التي فطر الناس عليها) [الروم:30]، (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيرَه) [القيامة:14و15]، قال (ص): (كل مولودٍ يولَد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو يمجّسانه أو ينصّرانه) (رواه البخاري ومسلم).


ومن الفطرة معرفةُ الله تعالى وحبّه وخشيته...
ومن الفطرة أن يأخذ الإنسان من زينة الحياة الدنيا من غير سَرَفٍ ولا مَخِيلة.


ومن الفطرة أن يبذل الإنسان جهده في فعل الخير، وفي توقّي الشر... وأن يعلم أن لهذا الجهد حدوداً، فلا يُلام على ما وقع منه نتيجة خطأ أو سهو أو إكراه أو نسيان... بل من الفطرة أن يقع الإنسان في بعض الآثام نتيجة ضعفه البشري، وأن يسارع إلى التوبة والاستغفار.


وأيضاً لنقرأ هذه النصوص:
(وخُلِق الإنسان ضعيفاً) [النساء:28]، (نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم) [الحجر: 49-50]، (قل: يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنَطوا من رحمة الله. إن اللهَ يغفرُ الذنوبَ جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر:53]، (لا يكلّف اللهُ نفساً إلا وُسعها) [البقرة:286].


3. تشمل جوانب الشخصية جميعاً: فهي تربية سلوكية ووجدانية، عقلية وعاطفية، تطهّر القلب، وتزكّي النفس، وتقوّم السلوك، وتكرّم العلم والعلماء، وتدعو إلى العمل الصالح في ذات الفرد، وعلى نطاق الأسرة، والمجتمع الصغير، والكبير، والعالَميّ كذلك.


والعبادة في الإسلام –وهي قرينة التقوى– ليست صلة بين العبد وربه فحسب، بل هي تزكية للنفس تؤتي أُكُلها خيراً على المجتمع كله:


(وأقم الصلاة. إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت: 45]، (خذْ من أموالهم صدقةً تطهّرُهم وتزكّيهم بها) [التوبة: 103]، (وما لكم لا تقاتِلون في سبيل الله والمستضعَفين من الرجالِ والنساءِ والوِلدان) [النساء:75]، (ولكنّ البِرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وآتى المال على حُبّه، ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضرّاء وحين البأس. أولئك الذين صدقوا. وأولئك هم المتقون( [البقرة: 177].


4. وهي تربية متوازنة؛ ففضلاً عن شمولها، فإنها لا تدع مجالاً يطغى على غيره؛ فهناك التوازن بين الدنيا والآخرة، وبين الروح والجسد، وبين حاجات الفرد والأسرة والمجتمع، وبين حقوق الفرد والجماعة، والذكر والأنثى، والأبوّة والبنوّة، وبين الحقوق والواجبات...


(وابتغِ فيما آتاك اللهُ الدارَ الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا) [القصص:77]، (ولهنّ مثلُ الذي عليهنّ بالمعروف، وللرجال عليهنّ درجة) [البقرة:228]، قال (ص): "إن لربّك عليك حقّاً، وإن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه" (رواه البخاري)، وقال (ص): "... والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيّته" (متّفق عليه).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين