التعليم في المناطق المحررة آلامٌ . . وآمال(3)

تجربة التعليم في منطقة درع الفرات

انطلقت عملية درع الفرات في الشمال السوري في شهر آب /2016/؛ من أجل تحرير المنطقة من تنظيم داعش وعناصر بي كي كي الإرهابيَّين، تمكّن الجيش الحرّ بدعم من تركيا من طرد التنظيمَيْن من مدنٍ عدّةٍ أهمّها جرابلس والباب.

وما إنْ تمّ تأمين المنطقة أمنيًّا وعسكريًّا حتى تحوّل الاهتمامُ إلى إعادة تأهيلِ المؤسّسات الاجتماعيّة، وكان النصيبُ الأكبرُ للتعليم؛ نظرًا للضرورة القصوى لأبناء المنطقة، وذلك بسبب الانقطاع عن التعليم لفترات طويلةٍ أثناء سيطرة داعش على المنطقة.

ويعدّ الواقع التعليميّ في منطقة درع الفرات الأفضلَ حالًا مقارنةً مع المناطق المحرّرة الأخرى، فمن الناحية الأمنية قد توقّف القصف على المنطقة وعاد الأهالي إلى بيوتهم وظهرت حالة من الاستقرار، ومن الناحية التنظيميّة فقد قامت وزارة التربية التركية من خلال مديريّة التعليم مدى الحياة بدعم العمليّة التعليميّة، وكانت البداية بترميم معظم المدارس المدمّرة بسبب العمليّات العسكريّة لطرد تنظيم داعش، إضافةً إلى إنشاءِ غرفٍ صفيّةٍ مسبقةِ الصنع كحلٍّ إسعافيٍّ في بعض القرى والبلدات التي تدمّرت مدارسُها بشكلٍ كاملٍ وخرجت عن الخدمة.

وأخذت الوزارة على عاتقها تأمين المستلزمات الدراسيّة الضروريّة لإنجاح التعليم في المنطقة من مقاعدَ وأثاثٍ وقرطاسيّة ووسائل تعليميّة ومعدّات تقنية وإلكترونيّة، وتمّ توزيع مليون و /500/ألف كتاب مدرسيّ طبِعت بالتنسيق مع منظمة راف القطريّة.

هذه التطورات خلقت حالةً من الثبات والاستقرار للعمليّة التعليميّة، وبدأ الأمل ينبت في قلوب طلابنا بعد الشلل التام الذي أصاب كلّ شيءٍ في المنطقة بسبب تنظيم داعش، حيث أدى إلى يأس عميق كاد يُطيح بحاضرهم ومستقبلهم بسبب حرمانهم من التعليم.

ومن أجل توفير الكوادر التعليميّة للمدارس التي بدأت بافتتاح أبوابها أقامت وزارة التربية التركية دورات تأهيل لتطوير المعلمين خلال صيف عام /2017/ واختتمت الدورات بامتحانات تمّ من خلالها تثبيت الناجحين في المدارس مع بدء العام الدراسي 2017-2018، وكانت الأولوية لحملة الشهادات الجامعيّة التخصصيّة في المجال التربويّ، وبحسب إحصاءاتٍ صادرةٍ عن مديريّة التعليم مدى الحياة في وزارة التربية التركية فقد خضع /5686/ معلّمًا للدورة التدريبيّة فتمّ تعيين قرابة /5000/ معلّمٍ في حوالي /500/ مدرسة استوعبت /150/ألف طالبٍ في جميع مدن وبلدات منطقة الفرات.

بهذه الجهود بدأت الرياض تزهر، ولكن ما زالت المنطقة لم تتحرّر من الجهل والأمّية بسبب انقطاع عدد كبيرٍ من الطلاب عن تعليمهم إذ لا تتجاوز نسبة الطلاب الذين حصلوا على حقّ التعليم 50% من الذين هم في سن التعليم، وتُحدّد نسبة التسرّب في المرحلة الابتدائيّة بـ 25%، لكنها ترتفع في المرحلة الإعداديّة إلى 60% وفي المرحلة الثانويّة إلى 80% .

ومن أهمّ الأسباب في ذلك عدم وجود خطّة تدريسيّة خاصّة بالطلاب المنقطعين تتضمّن البرامج والمناهج التدريسيّة الملائمة، مع عدم إمكانيّة تدريسهم المناهج العامّة بسبب سنوات الانقطاع عن التعليم، والتي تبلغ عند بعض الطلاب خمسَ سنواتٍ، إضافةً إلى عدم جاهزيّة البنية التحتيّة للعمليّة التعليميّة نظرا لعدم وجود مدارس صالحةٍ ومؤهّلةٍ تتضمّن بيئةً تعليميّةً مناسبةً، وخاصّةً في مخيّمات النازحين حيثُ تفتقرُ المدارسُ إلى وجودِ أثاثٍ مدرسيٍّ، وتضعف فيها التجهيزاتِ والمرافق الخدميّة، إذ غالبًا ما تكون المدارس عبارةً عن خيمٍ لا تُسهم في تطوير عمليّة التعليم، وهذا ناتجٌ عن تركيز اهتمام المسؤولين في إدارة التعليم على مراكز المدن وإهمال القرى البعيدة والمخيّمات، وكذلك عدم توافر الكتاب المدرسيّ، وصعوبة النقل، كما أنّ الحالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة للأهالي من أهمّ العوائق التي تواجه الطالب.

وتعدّ الخطّة الإداريّة التي تتبعها التربية التركية غير متناسبة مع واقع التعليم وطبيعة المنطقة والأنظمة المعتمدة في سوريا من حيث نظام الشهادتين الثانويّة والإعداديّة، إضافة إلى تكليف إدارة التعليم المكاتبَ التعليميّة في المجالس المحليّة، وهي جهات إشرافيّة وليست اختصاصيّة في مجال إدارة العمليّة التربويّة، وقد تمّ تكليف تربويين ومعلمين كمنسقين لمديريات التربية في الداخل السوريّ كانوا موجودين في تركيا منذ بداية الثورة، وليس لهم أدنى اطّلاعٍ على الوضع التعليميّ في الداخل المحرّر.

كلّ ذلك أدّى إلى اختلاف الخطط الدرسيّة والأنظمة الداخليّة, وخاصّة فيما يتعلق بإلغاء شهادة التعليم الأساسيّ، أو فيما يتعلّق بضوابط الشهادة الثانويّة وإلغاء الثانويّة الحرّة.. وكون هذه التعليمات تقتصر على المشافهة فإنّها تقود إلى الارتباك والتضارب في التعميمات والتعليمات الارتجاليّة من مدينة إلى أخرى.

هذه الإشكاليّات تتطلّب ضرورةَ الانتباه إلى أهمّية الإبقاء على الهيكلة التربويّة القائمة على المجمعات التربويّة المرتبطة بمديريّة التربية كجهةِ اختصاصٍ تشرِفُ على إدارة المدارس، وتكون المكاتب التعليميّة في المجالس المحليّة عندئذ جهات رقابيّةٍ تُسهِمُ في دفع عجلة التعليم إلى الأمام.

ومن الأهمية بمكان اختيار المنسقين من التربويين العاملين في المجال التربويّ في الداخل السوريّ لما يملكونه من معرفة وخبرة بطبيعة العمل والتعليم في المناطق المحرّرة.

العمل على إحداث مدارس أو شعب ضمن المدارس خاصّة بالطلاب المنقطعين والمتسربين عن الدراسة وتأمين المناهج الضروريّة لذلك للوصول بهم إلى المرحلة الدراسيّة المناسبة لمرحلتهم العمريّة.

استمرار العمل على تأمين البيئة التعليميّة المناسبة للطلاب بتوفير المدارس والساحات والملاعب للعب الأطفال.

الاهتمام بمجال الرعاية الصحيّة والنفسيّة لمتابعة حالات الطلاب ومساعدتهم للتخلص من الأزمات التي يعانون منها.

ضرورة تزويد المدارس بالوسائل التعليميّة الحديثة والمتطوّرة التي تُسهِمُ في رفع جَودة التعليم.

التوجّه إلى التعليم المهنيّ والفنيّ لما له من أهمّيّة في إعادة الإعمار.

رفع الدخل للمعلّمين ضمن سلّم رواتب يعتمد الشهادات والخبرة في تحديد الأجور ممّا يسهم في الاستقرار المجتمعيّ للحفاظ على المعلّمين المختصّين، وتفريغهم للعمليّة التربويّة.

تأمين اعتراف دوليّ رسميّ للشهادات التي يحصل عليها الطلاب، والمساعدة في استكمال تحصيلهم العلميّ في الجامعات المعتمدة.

المصدر: العدد الثالث من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين