حكم التصحيح والتضعيف الكشفي

مما هو معلوم لدى طلاب الحديث وعلومه أن الحكم على الحديث بالصحة أو بالضعف أو بالوضع (أي الكذب) إنما هو بحسب الظاهر للمحدثين، باعتبار الإسناد والمتن. وهذا ما ذهب إليه المحدثون قاطبة، كالخطيب البغدادي وابن الصلاح وابن دقيق العيد والنووي وابن حجر العسقلاني وابن رجب وابن الملقن والسيوطي والزبيدي وغيرهم من القدامى، وجمال الدين القاسمي وبدر الدين الحسني وعبد الله سراج الدين ونور الدين عتر والألباني وشعيب الأناؤوط وغيرهم من المحدثين المعاصرين.

ولم يخالف هذه القاعدة إلا بعض علماء التصوف، فذكروا أن من طريق التصحيح والتضعيف والوضع هو الكشف القلبي. وممن ذهب إلى هذا القول:

1- الشيخ ابن عربي المتوفى (638هـ) في الفتوحات المكية(1) إذ يقول: "فرب حديث يكون صحيحاً من طريق رواته، يحصل لهذا المكاشف أننه غير صحيح، لسؤاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعلم وضعه. ورب حديث تُرك العمل به لضعف طريقه، من اجل وضاع في رواته، يكون صحيحاً في نفس الأمر، لسماع المكاشف له من الروح حيث إلقائه على رسول الله صلى الله عليه وسلم".

2- الشيخ الشعراني المتوفى (973هـ) في الميزان الكبرى(2)، إذ يقول عن حديث: ((أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم)): "وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين فهو صحيح عند أهل الكشف".

3- الشيخ الباجوري المتوفى (1276هـ) في تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد(3)، إذ يقول: "ولعل هذا الحديث صحَّ عند أهل الحقيقة بطريق الكشف".

4- الإمام العجلوني المتوفى سنة (1162هـ) في كشف الخفاء(4)، حيث نقل قول ابن عربي مؤيداً لكلامه، دون أي اعتراض.

لكن الصحيح الذي لا غبار عليه أن هذا القول مردود، ولذلك يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله ، في تعليقه على كتاب "المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" لعلي القاري "رحمه الله" (ص273): (ولا يكاد ينقضي عجبي من صنيعه هذا! ـ يعني العجلوني ـ وهو المحدث الذي شرح "صحيح البخاري"، كيف استساغ قبول هذا الكلام الذي تهدر به علوم المحدثين، وقواعد الحديث والدين؟ ويصبح به أمر التصحيح والتضعيف من علماء الحديث شيئاً لا معنى له بالنسبة إلى من يقول: إنه مكاشَف أو يَرى نفسه أنه مكاشَف! ومتى كان لثبوت السنة المطهرة مصدران: النقل الصحيح من المحدثين والكشف من المكاشفين؟! فحذارِ أن تغتر بهذا، والله يتولاك ويرعاك)(5) اهـ.

************

(1) نقله العجلوني عنه في كشف الخفاء (1/9).

(2) الميزان الكبرى (1/38-39). 

(3) تحفة المريد (ص: 69). 

(4) كشف الخفاء (1/9). 

(5) المصنوع في معرفة الحديث الموضوع لملا علي القاري، بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى (ص: 273). 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين