هل يمكن الجمع بين السياسة والأخلاق؟

(لا أخلاق في السياسة) عبارة نسمعها كثيراً ومعظمنا يوافق عليها دون أن يفكر في صحتها ويدرك النتائج الخطيرة التي تترتب على الاقتناع بها. 

لمناقشة هذه العبارة لا بد من تعريف كل من (الأخلاق) و(السياسة) وسأعرفهما بشكل مبسط بعيداً عن المناقشات الفلسفية التي ليس مكانها هذه المقالة. الأخلاق هي ما اتفقت الشرائع السماوية والأرضية على اعتبارها صفات محمودة يجب التحلي بها. الأمانة والصدق والاحترام والتعاون والعدل والوفاء والرحمة صفات وسلوكيات لا يختلف عاقلان على اعتبارها (أخلاقية) واعتبار ضدها (لا أخلاقي) كالخيانة والكذب والإهانة والأنانية والظلم والغدر والوحشية. أما السياسة فهي إدارة مؤسسات الدولة وإدارة الخلافات بين مكونات المجتمع وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الدولة وغيرها من الدول والمنظومات الاقليمية والدولية.

السياسة بهذا المعنى لها تأثير كبير في حياة الناس ومصائرهم والاشتغال بها يندرج ضمن فروض الكفاية الواجبة شرعاً وإذا كان الالتزام بالأخلاق واجب شرعي أيضاً فالجمع بين الأخلاق والسياسة ليس أمراً ممكناً وحسب بل هو أمر واجب والقول باستحالة الجمع بينهما يعني أن الله أوجب علينا الجمع بين أمرين يستحيل الجمع بينهما وهذا عبث ننزه الله عنه.

تُتوهم اللا أخلاقية في عمل السياسي عندما يقدم على خطوة ظاهرها سلبي على المدى القريب أو إذا نظرنا إليها من زاوية واحدة ولكنها إيجابية على المدى البعيد أو إذا نظرنا إليها من كل الزوايا (قالوا أخرقتها لتغرق أهلها؟)، وقد يُتهم السياسي بالكذب عندما يستخدم التورية ليٌفهم من كلامه عدة معاني في سبيل احتواء المتناقضات وامتصاص الضغوط وهذا ليس كذباً بل جزء من المناورات السياسية.

بالمحصلة ما من سياسي يرضى عنه الجميع ولا بد من وجود معارضين ومنتقدين، لكن الناس تحكم في نهاية المطاف على النتائج وتحترم من يشرح لها ويحترم عقولها. 

إن الاقتناع باستحالة الجمع بين السياسة والأخلاق سيدفع أهل الأخلاق إلى الزهد بالمناصب السياسية وبما أن هذه المناصب لا تحتمل الفراغ فسيشغلها من لا خلاق لهم وهذا سبب الثورات والأزمات والكوارث والحروب عبر التاريخ فالسياسات القائمة على الظلم والعدوان والعلو في الأرض لا تسبب إلا الانهيارات والصراعات ولو وفرت لأصحابها فوائد مؤقتة. 

إن تحقيق العدل أو القسط في الأرض مطلب إلهي (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بالقِسْط) سورة الحديد -25- والركون إلى الظلم والظالمين هو ذنب يعاقب عليه الله (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) سورة هود -113- وبما إن تحقيق العدالة ومقارعة الظلم في عصرنا هذا لا يتحققان إلا ببرامج عملية تتبناها أحزاب سياسية تملك رؤى واضحة واستراتيجيات محددة، تصبح المشاركة السياسية واجباً شرعياً وصمام أمان يحمي المجتمع من المستبدين والمفسدين. 

إن تطور مجتمعنا فكرياً وأخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً رهن بتطور وعيه السياسي؛ عندما يعي الناس أهمية الحياة السياسية، وعندما يدركون الدمار الذي ينزل بالشعوب عندما تتخلى عن حقها في المشاركة السياسية وتسلم رقابها لحزب واحد أو زعيم واحد ، عندها لن يُنظر إلى السياسة على أنها عمل لا أخلاقي بل سيُنظر إليها على أنها شكل عصري متطور من أشكال الأمر بالمعروف والنهي والمنكر لا تنهض الأمة إلا بممارسته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين