كيف أصنع لنفسي حياة سعيدة؟

 

 
كن جميلاً تري الوجود جميلاً .. أقرأ هذه العبارة عدة مرات.. تمعن فيها وفكر .. فالكثير منا يحفظها عن ظهر قلب .. ولكن القليل منا يفكر فيها ويقف عندها ويتساءل كيف أكون جميلاً؟
كن جميلاً في نفسك وفكرك وفي تعاملك مع الآخرين .. كن جميلاً كالوردة تسر الناظرين بجمالها وتبهج النفوس بعطرها .. كن كالمصباح تنير الدنيا فيستمتع الجميع ويهتدون بهداك .. أو كن عصفوراً يحلق في الفضاء وهو لا يحمل في قلبه ضغينة ولا حقداً ولا حسداً ، يبحث عن قوت يومه ويغرد فيملأ الدنيا غناءً وحباً
 
فالجمال قيمة كبرى في حياة الإنسان .. فإذا فقد الإنسان إحساسه بالجمال في الحياة فإنه بذلك يكون قد فقد عنصراً هاماً من مقومات الحياة الطيبة ، وتخلى عن قيمة عليا من القيم الإنسانية التى تميزه عن باقي المخلوقات .. والجمال يبدأ من داخلنا .. فالجميل هو من يحمل في قلبه الخير لكل البشرية .. وهو الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه .. وهو من يحمل بين جوانحه الأخلاقيات السامية .. وهذه الجماليات تجعل شمس الحب تشرق في قلوبنا وتدفعنا نحو التفاؤل والأمل وتزرع فينا روح السعادة والأمل .. ولكي تكون جميلاً فلتتحل ببعض العادات .. ومنها
 
الإبتسامة .. أجعلها أول ما تبدأ به يومك: فالابتسامة تفتح مغاليق القلوب .. وتشرح الصدر لاستقبال يوم جديد .. وتجعل الإنسان هادئ النفس محبوباً من الآخرين .. فاستيقظ على الابتسامة .. وليكن شعارك في الحياة " أنا أبتسم .. إذن أنا محبوب ". فالابتسامة وسيلة من وسائل الاتصال النفسي المؤثر بين البشر ، والشخص المبتسم دائماً يكون له تأثير إيجابي وجاذبية خاصة ، لذلك يُعتبر المبتسمون أناساً ودودين محبوبين .. لهم روح عالية تستقبل انفعالات الآخرين بود ينثرون البهجة في الأجواء فيبدلونها من أجواء انفعالية إلى أجواء انشراح .. وهذه الابتسامة الدافئة تميزنا عن باقي الكائنات والمخلوقات .. وبها تتحقق الإنسانية كما أنها سر الجمال الإنساني ومفتاح القلوب الموصدة
 
ومن أجمل الأنواع .. ذلك النوع الحقيقي الدافئ الذي يعبر عن الصدق .. ألا وهي الابتسامة البيضاء الصادقة الودودة ، والابتسامة الصادقة كالبذرة الصغيرة تلقيها في نفس المتلقي فتنمو وتزهر وتملأ الدنيا بهجة وحياة
 
وقد وردت عدة أحاديث تؤكد ان الابتسامة صفة جميلة من صفات المؤمن. وقد أوصانا صلي الله عليه وسلم بالابتسام فقال: تبسمك في وجه أخيك صدقة .. كما أراد صلى الله عليه و سلم أيضاً أن يعلمنا حسن الخلق فقال: حسن الخلق بسط الوجه و بذل المعروف و كف الأذى ..
 
وتحضرني حكاية حقيقية سمعتها عن الضرر البالغ الذي يسببه العبوس علي الشخص العابس ذاته وتأثيره الأكثر ضرراً علي المحيطين به: يحكي أن بعض الأطباء لاحظوا وفاة الكثير من الأطفال في حجرة معينة بإحدى المستشفيات .. واحتاروا في هذا الأمر وتسائلوا: لماذا يموت معظم أطفال هذه الحجرة بالذات وبعد البحث والتنقيب والكشف لاحظ أحد الأطباء النبهاء أن الممرضة المشرفة علي تلك الحجرة دائمة العبوس والغضب ، فأمر بإجراء الكشف عليها .. وبتحليل الزفير .. اتضح أن زفيرها يحتوى علي مادة سامة تقضي علي الأطفال الذين تشرف عليهم وبالفحص والدراسة أثبت الأطباء أن شدة كراهيتها لعملها ولحياتها تجعلها متذمرة دائماً مما جعل كيمياء جسدها تتغير حتى أصبحت تنفث السموم فتؤثر فيمن حولها .. تؤذيهم بلهيب الكراهية والعبوس .. فكما أن الابتسامة لها وقعها اللطيف علي المحيطين فالعبوس أيضاً له وقعه السيئ عليهم
 
التحلي بالبساطة: فكلما كان الشخص بسيطاً ، كلما كان اكثر سعادة ، فتعقيد الأمور والنظر للحياة على أنها معضلة ولغز والدخول إلى دهاليز الحياة واللهفة على الإلمام بكل متعها والاهتمام بالشكليات و المظاهر الزائفة والجري وراء اللذات وجعلها هي الهدف الأساسي .. ذلك كله يعكر صفو الحياة ويقلل سعادتنا بها .. فلنعش حياة بسيطة بعيدة عن التعقيد والتزمت وبعيدة أيضاً عن التفاهات
 
فإذا صادفتك مشكلة أو أصابتك مصيبة قل كما أوصانا رب العزة " إنا لله وإنا إليه راجعون " حتى تهون عليك مصيبتك بذكر الله ، ولا تجتر أحزانك ، فاجترار الأحزان يخلف أحزاناً ، ولن تنقشع غمامات الهم أبداً عنك باجترارها ، فالمصائب تهون باستصغارها وهوانها علي النفس
 
والبساطة ضد التعقيد والكبر والتعالي .. فمن اتصف بالكبر والتعالي فإنه يكون قد فَقَدَ أفضل الفضائل .. فيجب علي من يريد أن يجمع المزيد من حب الناس وحب الله التخلي عن التعقيد .. وأن ينعم بالسعادة الصافية ، والبعد عن الخيلاء والتعالي .. والتحلي بالبساطة في التعامل مع الآخرين .. فالمعاملة الطيبة من حسن الخلق .. يقول الشاعر
 
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمو فطالما استعبد الإنسان إحسان
وقد أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بعدم التشدد وأن نيسر الأمور فقال صلوات الله وسلامه عليه: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا .. كما قال: إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته .. وهذا من قمة التيسير من الخالق عز وجل على عباده .. فكيف ييسر الله لنا ونعسرها نحن علي أنفسنا ؟. فالسعادة في تبسيط الأمور وعدم تعقيدها حتى نشعر بجمال الحياة ولذتها
 
إطفاء شرارة الغضب: قبل أن تشتعل وتتوهج وتأتي علي الأخضر واليابس ، وقد أوصانا رسول الله صلي الله عليه وسلم بكظم الغضب فقال: من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه .. ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة .. وقيل لحكيم: اجمع لنا حُسْن الخُلُق في كلمة واحدة فقال: تَرْكُ الغضب
فالغضب يورث الندم .. لأن الغاضب لا يكون في كامل قواه العقلية .. فالغضب يسيطر علي عقله ويفقده التفكير السليم .. فإذا نظرنا إلي وجهه الشخص الغاضب لوجدنا الشيطان يقفز بكل قبحه وبشاعته من عيني الغاضب ثم يرتسم على صفحة وجهه فيجعله أكثر قبحاً ، فينفذ هذا القبح داخل ذلك الشخص الغاضب فيهيج كوامنه الشريرة فتخرج في صورة ألفاظ غير محسوبة وأفعال عنيفة مما ينفر حتى أقرب الأقربين إليه ، فينفضوا من حوله ، وتكون خسارته كبيرة ، فقد يفقد أحبائه وإخوانه ويصير منبوذاً
 
فالغضب هو احتضان الشر وتمكنه من الإنسان ، والبعد عن الخير ، وفساد للخلق وإتيان أفعال تأباها النفس ، وله تأثير سلبي علي الفرد والمجتمع معاً
وقد روى البخاري ومسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الشديد بالصُّرَعَة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ..
 
والصرعة هو الذي يغلب الرجال ولا يغلبه أحد .. وهذا الحديث يدل على أن الغضب ضعف والحلم قوة ، فالقوة لم تكن أبداً قوة عضلية ، بل القوة قوة النفس وامتلاكها والتحكم فيها وردعها قبل ثورتها
فكيف نستطيع التحكم في أنفسنا عندما نغضب؟
 
أولاً: محاولة تدريب النفس على التحلي بالأخلاق القويمة ، كالصبر والتمهل ومسك اللسان وضبط الانفعال ، واتزان التصرفات .. فإذا كان لا محالة وغضب شخص فيجب عليه أن يقوم بتغير الوضع الذي يكون عليه حال الغضب ، فليجلس الواقف أو يقف الجالس أو يترك المكان. فقد روى أحمد وأبو داود: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا غضبَ أحدُكم وهو قائم فليجلسْ، فإن ذهبَ عنه الغضب، وإلا فليضطجعْ
 
ثانياً: التحلي بالصمت .. لأن الكلام في حالة الغضب سيكون حتماً فظاً عنيفاً ، فالسكوت ضروري حتى لا نندم بعد زوال الغضب على ما صدر منا دون وعي ، وقد روى أحمد والترمذي وأبو داود : عن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: إذا غضب أحدُكم فليسكتْ .. قالها ثلاثاً
 
ثالثاً: النظر إلي الغاضب نظرة عتاب حتى نقلل من غضبه ونشعره بأنه خرج عن شعوره ويجب عليه التوقف .. وهذه النظرة ربما تذكره بالمواقف الجميلة الماضية ، أو بلحظات الرقة والحلم والجمال
 
رابعاً: تَذَكُر عاقبة الغضب ، وما سيحدث جرائه ، فلا نتسرع في الحكم علي الأمور ، ولنأنس بذكر الله حتى تنزل كلمات الله برداً وسلاماً علي أنفسنا " ألا بذكر الله تطمئن القلوب" ، كما نتذكر قول نبينا صلى الله عليه وسلم: ما كظم عبدٌ لله إلا مُلِئَ جوفُه إيماناً .. ثم الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، تحقيقاً لقول الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة الاعراف
تصالح مع نفسك: فالشخص الذي تخاصمه نفسه ، شخص مكبل بالمعاصي ، والأمراض النفسية ، ولكي يتصالح مع نفسه لابد وأن يتخلى عن بعض العادات السيئة التى يقوم بها ، فيغسل روحه ويطهرها بجمال الخلق ، والتحلي بالصفات الحميدة
 
ومن أعلى هذه الصفات: التسامح مع الآخرين ، فالتسامح يحتوي غضبة الغاضب فيحميه من شرور الغضب ، وقد أظهرت الدراسات النفسية أن الأشخاص الأكثر قدرة على التسامح والسيطرة على أنفسهم والتحكم في حياتهم هم الأكثر إنتاجية والأكثر سعادة ورضا بحياتهم
 
إن التسامح يزيل سرطان الكراهية من نفوس الناس وينشر الحب بينهم ويهدم الأحقاد ، فقد كان التسامح هو الشعار السامي الذي نزل به الرسل والأنبياء ، لإزالة التعصب والعنف ومحو الرذيلة والحقد الذي يعمي العقول قبل العيون ويولد الضغائن بين أفراد البشرية
 
والتسامح لا يعنى التغاضي والغفلة عن الأخطاء ، بل هو وسيلة توجيه بطريقة كلها حب ورحمة ، كما أنه وسيلة لقلب المواقف السلبية إلى مواقف إيجابية. فعلينا أن نتحلى بروح التسامح لا بروح التغاضي أو النسيان أو تأييد الأحقاد الدفينة ، فالتسامح مهارة من الممكن أن نتعلمها بشيء من التدريب ، وصقل هذه المهارة يكون بالابتسامة الصادقة ، والروح المتسامحة
 
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غداً؟ على كل هين لين ، قريب سهل .. فالسعادة تهتدى إلى القلوب المُحِبة فتسكنها وتهجر القلوب الحقودة الجامدة التي لا تعرف الحب ، السعادة للقلوب اللينة التى تعرف الرحمة والمودة
 
و بإمكان أي إنسان أن يرتقي بذاته ويمتلك الصفات التى تؤهله للسعادة من حب ورقة وتسامح وأن يكون متمتعاً بمشاعر القوة والثقة والصفات الراقية ، وذلك من خلال الإيحاء ، فإذا أوحي الشخص لنفسه بميزة أو بصفة من الصفات فإنه سوف ينتابه إحساس بوجود تلك الصفة فيه
وفي هذا الصدد قال الكاتب الإنجليزي شكسبير: الشجاعة هي الإحساس بالشجاعة .. وعليه نقيس كل الصفات الأخرى ! فنقول: السعادة هي الإحساس بالسعادة
 
كما نجد صفة أخرى للتصالح مع النفس وهي التعاون فيما بين الأفراد على الخير ، فعلينا ببث روح التعاون بين أفراد المجموعة ، ومشاركة بعض المقربين في مجال العمل لتحقيق الأهداف السامية الرامية إلي خير البشرية ، فروح الفردية تقوي لدى الفرد الأنانية بينما روح الجماعة هي روح التعاون ، فإذا تحقق الهدف كانت الفرحة الجماعية عارمة ، فالفرد الواحد لا يستطيع وحده بناء الحياة ، فأن الله لم يخلق الحياة فرادى بل أزواجاً ، وإلا ما قيمة الأعمال العظيمة ما لم نقدمها لأحد ونستمتع باستمتاع الآخرين بها ونرى السعادة في عيونهم
 
تجنب الأفكار السوداء: حتى نتجنب الأفكار السوداء التى تُحِيل حياتنا إلى جحيم يجب إطلاق الروح في سماء الحياة النقية وعدم حبسها وإقحامها في متطلبات الجسد.. كما يجب التخلص من العادات السيئة الموجودة في حياتنا. فلا نترك لخيالنا القاتم الفرصة لإضفاء اللون الأسود على الحياة ، بل يجب معايشة الحاضر بما فيه من جمال فالغد في يد الله ، ولا نتوقع السوء فمن يدري ماذا يحمل الغد لنا من خير ..
 
وما عليك إلا أن:اسخر من عبوسك أمام المرآة فلا يوم كدر باقٍ ولا ليل أسود دائم لا ينبلج .. ولا تبكِ على اللبن المسكوب فإذا تعثرت فانفض الغبار وانهض على قدميك سريعاً وابدأ خطوات جديدة بقدم واثقة و استفد من عثراتك حتى تنجو من الوقوع في نفس الخطأ ، فالمرء قد تمر عليه أيام عسيرة تُقلب حياته إلى جحيم وتكسر مصباح سعادته وتجعل الأيام قاتمة في عينيه ، وللخروج من هذه الظلمات لابد أن نمنى أنفسنا بانجلاء الظلام والفرح بأول شعاع يدخل قلوبنا فيمتعنا بالهدوء النفسي والتقرب إلى الله والتضرع له بأن يمنحنا القدرة علي الاستمرار
 
ولزيادة شعورنا بالراحة النفسية والسعادة يجب أن نرتفع فوق الصغائر ولا نحاول تهويل المشكلات وإعطاءها حجم أكبر من حجمها حتى تهون فيكون حلها يسيراً ، ولنحاول كبت جماح الغضب حتى نستطيع الاستنارة بأضواء العقل المتأني فتزول الغمة وتطل علينا الحلول من نوافذ النفس المطمئنة ونهتدي لطريق الصواب
 
فكثيراً من الشخصيات التى تتلذذ باجترار الأحزان ولا يسعدون بلحظات السعادة ولا يعرفون للفرح طريقاً ، حتى في أقصى لحظات فرحتهم نجدهم يتذكرون تلك اللحظة الأليمة فيتذكرون على سبيل المثال فلاناً الذي توفي ولم يحضر هذه اللحظة السعيدة فينقلب الفرح إلى تعاسة وغم .. فالذكريات الأليمة ما هي إلا عِبرة لنا نعتبر بها ثم نعود لاستئناف الحياة ونستمتع بما فيها من ألوان السعادة ونتلذذ بجمالها
 
الاعتدال في العواطف: صَدَقَ المثل القائل: كل شئ يزيد عن حده ينقلب إلي ضده .. فمن المهم لكل إنسان أن يعرف كيف ومتى يفتح قنوات محبته على قنوات الأخر ، وبأي قدر يُعطي ، وكيف يعبر عن نفسه أمام الآخر بعد معرفة بعض دواخل ذلك الآخر
 
فالعطاء في الحب فن هادئ فإذا ما اقترن بالتشويق كان غاية في الروعة والجمال وكان شعور المتلقي به شعوراً كشعور الملهوف والعاطي هو المنقذ .. فلا يجب أن نعطي ما لدينا من جماليات مرة واحدة ثم نجلس مفلسين ليس لدينا ما نقدمه بل نترك الفرصة للطرف الآخر مهمة اكتشاف ما لدينا من قدرات وصفات جميلة .. فلا نبسط يدنا كل البسط مع أحبائنا ولا نقبضها .. ونكون بين هذا وذاك .. وليس هذا بخلاً عاطفياً ، ولكنه ترشيد عاطفي لدوام الحب والعاطفة .. فالأزهار تحتاج لشعاع الشمس والماء وبدونهما تذبل وتموت ، ولكن إذا زاد ريها وزادت عليها أشعة الشمس فإنها أيضاً تذبل وتموت
 
الرضا هو أحد عناصر تحقيق السعادة: الرضا أعلى مراتب الهدوء النفسي والطمأنينة ، فالرضا بما قسمه الله أبلغ درجات السعادة ولا يصل الإنسان إلى هذه الدرجة إلا إذا كان بداخله إيمان قوي وعميق بأن الله هو مقسم الأرزاق ولا شئ يحدث في هذه الحياة إلا بأمره ولن يكون لأحد نصيب في شئ لم يقدره الله له
 
والرضا يُخلّص الإنسان من الهموم والخوف على المستقبل ويرحم صاحبه من شتات القلب والعقل ، ولذلك فإن باب جنة الدنيا يُفتَح بالرضا قبل جنة الآخرة ، فإن كان الرضا يبعث على الطمأنينة وهدوء القلب وسكونه واستقراره ، فإن عدم الرضا يؤدي إلى اضطراب القلب وعدم استقراره ، ومتى نزلت الطمأنينة واستقرت في قلب شخص فإنه سيجد في نفسه الراحة والاستقرار وهدوء البال ، و يكون في أمنٍ و دَعَةٍ و طيبِ عيشٍ ، وبذلك يكون الإنسان قد حاز الجنة في الدنيا والآخرة ، لأن الله وعد الراضين بالرضا عليهم واستمتاعهم بالنعيم المقيم في الدنيا والآخرة
 
والرضا يحمي الإنسان من شرور نفسه ؛ لأن المرء إذا لم يرضَ بما قسمة الله سيظل ينظر إلى ما في يد غيره من نعم ، فيكون حاسداً ، ويتمنى أن يحوز الدنيا وما فيها فيكون حاقداً .. فالإنسان الغير راض يكون دائماً إنساناً ساخطاً ، فهو يترك قلبه للشيطان يوسوس له بأن فلاناً ليس بأفضل منه ليحوز ما حازه في الدنيا ، فتنقلب حياته جحيماً دون أن يدري
وللرضا ثمرات تعود بالسعادة على صاحبه ومنها
 
ثمرة الشكر لله على نعمائه ، فكل ما وهبنا الله من نعمة فهي كبيرة لأنها مصدر متعة لنا ، فكثير منا لا يشعر بما يمتلكه من نعم وكأنها أمر واقع و لابد وأن تكون لديه كل تلك النعم ، فالكثير منا ينظر إلى الهبات الدنيوية الفانية ويلهث وراء أشياء زائلة ويتكدر إذا لم يستطع حيازتها والتمتع بها ، ولا يعرف بقدر من الرضا أن الله وهب كل إنسان هبات خاصة به ، فليبحث كل منا عما اختصه الله به ويتمتع به ويشكر الله عليه
 
ثمرة السماحة في التعامل مع الآخرين والإحسان إليهم ، فكل شخص يتمتع بنعمة الرضا لديه القدرة علي التسامح والعطاء لأنه يستكثر نعمة الله عليه فيعطي منها ولا يبخل ، ويكون قلبه فياضاً بالحب ، فقد محا الرضا كل ضغينة وحقد وحسد من قلبه
 
ثمرة القرب من الله و الاستقرار النفسي والتخلي عن الأهواء .. فالجري وراء الأهواء سمة الطامعين في الدنيا أما الراضون فهم أقرب إلى الزهد فأقل القليل يرضيهم ويجعلهم أقرب إلى السعادة
 
وأجمل ثمرة يجنيها الشخص الذي يتمتع بنعمة الرضا هي حب الناس .. فالراضي يرضى عنه الله ، والله إذا رضي عن العبد أرضى عنه الناس .. كما أن الرضا يفرّغ قلب الإنسان من النواقص مما يقربه إلى الله ، وبقربه إلى الله يساعده على جني أشهى الثمرات من حديقة الرضا الغناء
 
ومن ثمار الرضا أيضاً أنه يخلص القلوب من كل أنواع الخوف ، سواء الخوف على الرزق أو الخوف من نوائب الدهر والخوف من الغد أو الخوف من المجهول أو الخوف من البشر. يقول ابن القيّم :" فطريق الرضا و المحبة تسيّر العبد و هو مستلقٍ على فراشه فيصبح أمام الركب بمراحل ". متعنا الله جميعاً بنعمة الرضا التى تجلب السعادة وتطمئن النفس
 
الخلود إلى النوم بعد تصفية الذهن من كل ما يعكر صفو نفسي: من الضروري لصحة الإنسان ألا يذهب إلي حجرة نومه إلا بعد أن يتأهب للهدوء وإلقاء كل الهموم خلفه ، وعند عتبة الحجرة يتخفف من أعبائه كما يتخفف من ملابسه الثقيلة ، ويحاول أن يتذكر المواقف الجميلة فقط والتى تضفي علي نفسه البهجة ، ثم يسترخي تماماً ، ويترك العنان لخياله للسباحة في بحيرات الأماني الوردية الطيبة ، مع محاولة نسيان كل الأفكار التى تكدر صفو ذلك الخيال الوردي ، ومحاولة النوم الهادئ واصطحاب ابتسامة الأمل في الغد
فالمخ يقوم خلال النوم بتصفية حساباته والتخلص من المعلومات غير الملائمة، ويعتقد عالم النفس مورتون
شاتزمان: أن إحدى وظائف النوم الهامة هي حل المشكلات والمعضلات، فكثير من العلماء يجد الحلول لبعض المشكلات المستعصية خلال النوم .. يقول ابن سينا: ومهما أخذني أدنى نوم كنت أرى المسائل بأعيانها في نومي واتضح لي الكثير من المسائل .. والنوم يعتبر من وجهة النظر الطبية فترة راحة للبدن لأن كل وظائف الأعضاء تهدأ أثناء النوم ، فيقل النبض ويبطؤ التنفس وينخفض الضغط ويقل استهلاك الأوكسجين في العضلات مما يتيح نوعاً من الوقاية ضد أمراض القلب والشرايين .. فالنوم يخلص الجسم من كل ما يضره ويخفف عن كاهله كل الأعباء اليومية من متاعب وصراعات واختناقات
 
والخلاصة من هذا السرد أن النوم الهادئ يخلص الجسم من كثير من الأمراض ، وأن تصفية الذهن قبل النوم يوفر لنا الراحة النفسية في اليقظة ، وطالما خلصنا نفوسنا مما يَعْلَق بها في كل يوم ، وأدينا واجبنا الموكل إلينا فسوف ننام كما نام سيدنا عمر بن الخطاب حينما نام تحت شجرة كأي إنسان من العامة دون حراسة ، فلما رآه أحدهم قال له: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر
 
ولذلك يجب نفض كل الهموم قبل التوجه إلي حجرة النوم وإلقاء كل ما يجلب لنا التعاسة أو الحزن على أعتابها ، ومحاولة استدعاء بعض الذكريات الجميلة التى مرت في حياتنا ، ونتأكد بأن الله كفيل بتغيير كل شئ ما بين عشية وضحاها ، حتى نستمتع بنوم هادئ وحتى نستيقظ على ذهن صافٍ نستطيع به أن نصنع فيه لأنفسنا غداً سعيداً
احتفظ بلحظات الحب في حياتك: فتلك اللحظات هي التي مست مشاعرنا يوماً ما ، وجعلتنا نحلق في سماء النشوة ، وحملت إلينا كل معاني السعادة ، فلنحتفظ بها لنتذكرها في وقت المحن ، حتى ولو صارت ذكريات ، فأحياناً تفوح من الذكرى أزكى العطور
 
ولا نقطع أبداً حبائل الود التى تصلنا بمن نحب ، حتى ولو فرقتنا عنه الأيام فلا نجلس لنبكي على الأطلال ، بل ننتظر برجاء أن تشاء الأقدار فتجمع بيننا وتصل ما أنقطع ، إذا كانت الأيام الجميلة قد مضت فمن يدري فربما تنتظرنا أيام أجمل ، وربما يعوضنا الله عما فقدناه خيراً
 
وإذا ما شاءت الأقدار تفريقاً بين الأحبة فلنترك الذكريات السعيدة هي التى تطبع حياتنا بطابع تلك الذكري الجميلة ، ولنتذكر لمن أحببنا دائماً الأحاسيس الصادقة ، وإذا دار حديث بيننا وبين الآخرين عمن أحببنا بعد فقده فلا نقل عليه ما ليس فيه بل يجب أن نصفه بالصفات التى كنا نصفه بها قبل الفراق ، ولنتذكر أننا تبادلنا المشاعر يوماً ما واندمجت القلوب وأفضى كل حبيب بمكنونات نفسه للآخر .. فلنكن من النبلاء الذين يقدرون قيمة الإخلاص حتى بعد الفراق فالنبيل من يحفظ لحبيبه كل أسراره في صندوق ذكرياته ويغلق قلبه عليها
 
فإلى كل محب: كن نبيلاً بقدر ما حملت لحبيبك من حب وبقدر ما حمل لك من مشاعر ، فالحب الحقيقي لا يحمل مشاعر وأحاسيس فقط بل يحمل أخلاقاً وقيماً عُليا .. احتفظ بلحظات الحب الجميلة في حياتك وأصنع منها شموعاً تضئ لك في الأيام الحوالك ، فالحب هو تأمل الأشياء وإدراك الحقائق الجمالية ومعانيها الراقية .. فهو في كل خطوة من خطوات الحياة يجملها ويزينها ، فاحتفظ بلحظات الحب الجميلة بتذكرها واستحضارها حتى تكون لك كقطرات الندى في ليل صيفي شديد الحرارة فتشعر بعذوبة الحياة ورقتها
ومن القصص في تبيان مقومات السعادة: ذهب شاب إلى شيخ حكيم كان الناس يطلبون نصيحته كلما ألمت بهم مشكلة ولم يره أحد إلا والبسمة تزين وجهه المشرق دائماً.
 
قال الشاب: إنني إنسان تعس، أفتش عن السعادة فلا أجدها ، هل تدلني أيها الشيخ الجليل أين أجد السعادة؟. وابتسم الشيخ واطرق قليلاً ثم قال له: اذهب يا ولدي هذا اليوم ، وفكر في مقومات السعادة وأسبابها كما تراها، واكتب تلك المقومات في ورقة، وتعال غداً .. وفي اليوم التالي جاء الشاب الى الشيخ وقدم له ورقة، فتحها الشيخ فوجد فيها هذه الكلمات: الشباب ، القوة ، الثروة ، الشهرة و الحب .. وقال الشاب: هذه هي مقومات السعادة كما أراها. وسأله الشيخ: هل ينقصك شيء من هذه المقومات؟. فقال الشاب: أبداً، إنني أملكها كلها .. فقال الشيخ: اذهب إذن يا ولدي وتمتع بها كلها كما تشاء ، وتعال بعد شهر. وبعد شهر جاء الشاب و القى بنفسه أمام الشيخ الحكيم وقال بقنوط: لم أعثر علي السعادة أيها الشيخ .. فقال الشيخ باسماً: لأنك كنت تفتش عنها بعيداً عن مكانها ، السعادة يا ولدي هي سكينة النفس ، والحب وحده كان يستطيع أن يقودك إليها. فقال الشاب: ولكنني أحببت ، وكنت غارقاً في الحب طوال هذا الشهر .. فقال الشيخ: انك لم تحب يا ولدي! انك تمتعت ، حصلت على المتعة فقط! ولو أنك أحببت حباً حقيقياً ، لوصلت إلى السعادة إلى سكينة النفس
و اعلم: إن السعادة الحقيقية لن تتأتى إلا بتحقيق إنسانية الإنسان وصيانة روحه نقية ونظيفة كما خلقها الله وصيانة القيم وحمايتها من الضياع في قيم أخرى لا تناسبنا ولا تناسب ديننا الحنيف.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين