العودة إلى الوطن

يزداد الحديث يوماً بعد يوم عن العودة إلى سوريا ...

يقولون: الحرب انتهت، و إعادة الإعمار بدأت، و قصص كثيرة تنتشر عن مغتربين زاروا البلد هذا الصيف و عادوا بسلام .

التلفزيون يبث مقابلات تدعو الناس إلى العودة وأن الأمور بخير وحضن الوطن دافيء.

و بالأمس وصلني خبر عن عفو عام وفيه تخفيض للمحكوميات من إعدام إلى مؤبد ومن مؤبد إلى عشرين سنة وتخفيض لمن هم فوق السبعين سنة !!

يقول البعض: و هل قدرنا أن لا نرى البلد لعقود ؟ أليس الأجدى أن نصالح ونسوي وضعنا ؟

شخصياً لن أعود إلى سوريا مادامت صور بشار معلقة في المطارات والطرقات ، أو بوتين أو نصر الله أو أي حيوان آخر .

كيف لي أن أعود وأنا أعلم علم اليقين أن لا قيمة لي هناك ولا حق ولا ملكية إلا إذا قرر من سلب الناس أرواحهم وأملاكهم وحقوقهم أن يرضى عني أو يهبني شيئاً ؟

كيف أمشي في طريق لا أستطيع أن أبقي رأسي فيه مرفوعاً ؟

كيف أقابل في الشوارع أناساً أنا على يقين أن أيديهم ملوثة بدماء ودموع من أحب ، وأضطر للابتسام في وجوههم ؟

كيف لي أن أمضي يومي و أنا أرى وجوهاً ظالمة أو قاتلة أو مفجوعة أو مظلومة أو خائفة أو منافقة ؟ و هل بقي وجوه غيرها ؟

كيف آكل في مطعم لم يقفل بابه يوماً ليطعم المتخمين في وقت كانت المجاعة على بعد دقائق منه ؟

كيف لي أن أستمتع بالمشي في طرقات لا أعلم إن كانت تحتها أقبية مصبوغة بالقيح والدماء ، أو مزدحمة بسجناء يذبلون ببطء ، أو بقايا طفل ما زال أهله يبحثون عنه .

كيف لي أن أصلي في مساجدها وأنا أعلم أن الإمام أو المؤذن أو خادم المسجد على الأغلب عنصر أمن مات بسببه خيرة شباب البلد ؟

كيف لي أن أتنشق رائحة الياسمين بعمق ولعله ارتوى من الدماء وتغذى على رفات الكرماء ؟

كم صرت أمقت التغزل بالياسمين والشوارع الدمشقية .

سوريا لم تعد وطناً لي ... حتماً ليس سوريا الأسد .

لن أتخلى عنها يوماً ... سأحتفظ بالذكرى والمعنى وأسعى لاستردادهما ، ولكن الواقع بشع لدرجة لا أطيقها .

خسرت وطني و لا أريد أن أخسر كرامتي أو احترامي لنفسي .

سامحوني على تشاؤمي وليسامحني من جرحته من أحبتي ولا أرغب بالمزاودة على أحد ... 

أحمد الله أن والدي بالقرب مني ولست مضطراً لزيارة البلد للبر بهما والاطمئنان عليهما ...

نحن في زمن بات أشد امتحان فيه أن يكون المرء أو من يحب في سوريا .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين