منابر الجمعة وقضايا المجتمع(1)

يلتزم المسلمون في كل أنحاء العالم التزاماً دينياً بالاستماع لخطبة الجمعة، وهذا يعني أن هنالك رسالة يجب أن يتلقاها المسلمون كل أسبوع، وهذه ميّزة لا يشارك الإسلام أو ينافسه فيها أحد، وهي فرصة كبيرة ومتجددة لتشكيل وعي عام بكل مسألة من مسائل الدين، أو حدث من أحداث الدنيا، وهي كذلك مسؤولية كبيرة لا يتحملها الخطيب وحده، بل الدولة والمجتمع وعامّة الناس.

إن القصة لا تبدأ بما يسمعه الناس من على المنابر، بل تلك هي النهاية والمخرج الذي يعبّر عن سلسلة من الاستعدادات والإجراءات التي لا يمثّل الخطيب إلا جزءاً من أجزائها وحلقة من حلقاتها.

إن الخطيب الذي يحمل رسالة الإسلام الأسبوعية لمجتمعه ينبغي أن يُعدّ بطريقة تتناسب مع هذه المهمّة، وهذا يقودنا إلى فحص محاضن التعليم الديني، وإعادة النظر في البرامج والمناهج والدورات التدريبية والتطويرية، وأضرب مثالاً سريعاً من واقعنا المعاصر، فمناهج التعليم الديني في المدارس والمعاهد والجامعات لا تكاد تجد فيها أثراً لفقه العمل السياسي مثلاً، لكن الخرّيج فور صعوده على المنبر يرى نفسه مضطراً لأن يتطرّق للأحداث السياسية التي تعصف بالأمة، والمصلّون بكل تأكيد لا يريدون آراءه وانطباعاته الشخصية، وهنا يبدأ الارتباك، حتى أنك في بعض الأحيان تتمنى لو أن الخطيب اكتفى بالوعظ الأخروي والتذكير ببعض الأحكام الفقهية وفضائل الأعمال، لعله يحفظ للمنبر هيبته أو شيئاً منها.

إن شكوى الخطباء من تطفّل بعض الناس وتدخلاتهم في مسائل الشريعة دون علم ولا وعي حتى بأوليّات الشريعة ومصطلحاتها قد يقع فيه الخطباء أنفسهم حينما يحاولون التدخل في المجالات الأخرى كعلوم السياسة والاقتصاد والطب والفلك، دون أن يكون لهم إلمام ولو بأصولها ومبادئها، أما إذا كان الناس بحاجة عملية لموقف ما ويتطلعون إلى المنبر لمساعدتهم في اتخاذ هذا الموقف، كما هو الحال مثلاً في العراق وسوريا، حيث ممكن أن تتحول الخطبة بالفعل إلى موقف وحركة وصيغة عمل، فإننا سنكون أمام احتمالات ومجازفات كبيرة وخطيرة.

إن الخطيب الذي يعطي لنفسه صلاحية التدخّل في كل شأن من شؤون الحياة من دون إعداد كافٍ لا شك أنه يعرّض الإسلام نفسه لأزمة أو أزمات مختلفة حتى في محيطه الأقرب، وقد حصل أن خرج أستاذ جامعي متخصص في العلوم السياسية من المسجد وترك صلاة الجمعة في ذلك اليوم لما سمعه من تنظيرات سياسية لا محل لها من السياسة ولا من الدين، وقد حدّثني هو بذلك، والأطباء كذلك يشكون من بعض الخطباء حينما يتحدّثون عن «الطب النبوي» ويؤكّدون: «لقد ثبت طبيّاً»، أو يتحدّثون عن الهلال فيقولون: «لقد ثبت فلكيّاً»، ومعلومات الشيخ ربما لا تتعدى صفحته على «الواتس آب» أو «الفيس بوك»! ولقد رأيت أحد المشايخ يتحدث بقوّة ليثبت أن الأرض ليست كروية، وأنها لا تدور، وشيخاً آخر يتحدّث عن الأضرار الصحية على «مبايض المرأة» التي تقود السيارة، ولقد رأيت في بعض مساجد أوروبا من يغرس في المصلين الكراهية للمجتمع الذي يعيشون فيه، بفهم مشوّه لعقيدة الولاء والبراء، ودون مراعاة للمشهد الكلي بأبعاده ومآلاته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين