تجديد الدين سُنة إلهية

لقد شرع الله عز وجل للناس ديناً واحداً هو "الإسلام" وأخبر أنه لا يرضى ديناً غيره (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه ) سورة آل عمران ??، والمقصود بالإسلام هنا معناه العام الذي هو الانقياد والطاعة لله تعالى وحده، وهذا هو جوهر التوحيد الذي نصت عليه سائر الرسالات السماوية، وبشر به سائر الأنبياء عليهم السلام (وَوَصَّى? بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى? لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَ?هَكَ وَإِلَ?هَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَ?هًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) سورة البقرة 132و 133 ..

ولعل قائلاً يقول : إن وحدة الدين تتعارض مع ما هو معلوم تاريخياً عن اختلاف الشرائع السماوية بعضها على بعض !؟

والجواب : صحيح أن هناك اختلافات في التشريعات العملية (= غير الاعتقادية) ما بين رسالة سماوية وأخرى، وهذه الاختلافات اقتضاها اختلاف أزمنة الرسالات واختلاف بيئات بعضها عن بعض، وليس في هذا دليل يعارض وحدة الدين التي قلنا إنها تعني الإيمان بوحدانية الله عز وجل والانقياد له وطاعته، أما اختلاف التشريعات ما بين رسالة سماوية وأخرى ففيه دليل على واقعية الدين ورحمة الله عز وجل بالعباد، فقد فرض سبحانه على كل أمة شريعة تناسب عصرها وبيئتها وأحوالها، رفعاً للحرج عن الناس، ورحمة بهم .

وهذه الحقيقة تأخذنا إلى قضية "تجديد الدين" التي نرى أنها سنة إلهية ينبغي الاقتداء بها، والعمل على تجديد ديننا بما يرفع الحرج عن الناس، لأن البقاء على نسخة جامدة من الشريعة يخالف السنة الإلهية التي مضت في الرسالات السابقة، لأن الجمود يحمل الفطرة البشرية ما لا تحتمل، ويوقعها في الحرج الذي قد يدفع الناس للنفور من الدين !

وتتأكد الحاجة إلى تجديد الدين اليوم إذا علمنا أن رسالة الإسلام التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة التي سوف ترافق البشرية إلى يوم القيامة، وبما أن أحوال الناس تتغير مع مرور الزمن، وتتغير أحوالهم وحاجاتهم وظروفهم، فلا يعقل أن يخضع الناس إلى تشريعات جامدة طوال هذه العصور المتبقية من عمر الرسالة !

ومن حكمة الله عز وجل أنه أودع في هذه الرسالة كل الصفات التي تجعلها قابلة للتجدد لتكون صالحة لكل زمان ومكان منذ نزولها وإلى يوم القيامة، ودعا المؤمنين إلى تجديدها والاجتهاد في تنزيلها على أرض الواقع بكيفية تفي بحاجات كل عصر وبيئة، وهذا ما نستشفه من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ) .

وخلاصة القول .. إن تجديد الدين أمر مندوب، بل واجب، بل هو سنة إلهية قد مضت في سائر الرسالات السماوية، حرصاً من الشارع الحكيم على حيوية الدين، ورفعاً للحرج عن العباد .

ولعل أخطر ما في الجمود وعدم تجديد الدين قد يدفع الناس إلى النفور من الدين، بل التخلى عن الدين جملة، وهذا ما بدأنا نراه هذه الأيام من انتشار ظاهرة التحلل من الدين، بل الإلحاد في بعض ديار المسلمين !

ومع تسليمنا بأن للإلحاد أسباباً كثيرة، فإن جمود الدين وعدم تجديده، يشكل واحداً من الأسباب، فهذا الجمود كان وراء جملة من الفتاوى الشاذة الغريبة التي انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية، وأظهرت الدين بمظهر التخلف والانحطاط، والاغتراب عن العصر، ما جعل البعض يسحبون هذا التخلف على الدين نفسه، لا على أدعياء العلم الذين خرجوا بهذه الفتاوى العجيبة .. فتأمل !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين