ليالي منى من أجمل أزمنة الحياة

1- لاحظت أنَّ الشعراء قد كتبوا أجمل القصائد في كل ما يتعلق بمنى زماناً، وأمكنة، كالمحصَّب، والمنحنى، والوادي، ومسجد الخيف، ومن أروع ما قيل قصيدة البرعي، ومنها:

يا راحلين إلى منى بقيادي=هيجتم يوم الرحيل فؤادي

سرتم وسار دليلكم يا وحشتي=الشوق أقلقني وصوت الحادي

2- منى وتأثير الكلمة النبوية في العالم 

وفي منى تشهد تأثير الكلمة النبوية في الملايين من الحجيج الذين طبَّقوا مناسك الحج المتعلقة بمنى اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا سيما المبيت في منى..

المشهد الذي رأيناه هذه الليلة كالمشهد في مزدلفة، الناس تفترش الأرض، وتلتحف السماء غير عابئين بمن حولهم، وما يتعرضون له، لا ترى متسخطاً، ولا متأففاً رغم قساوة الأحوال التي يتعرضون لها، وحسبهم أنهم يسيرون على خطا النبي صلى الله عليه وسلم ، متأسين بأفعاله، مطبقين سنته، كل ذلك بحب غامر، وانقياد تام.

وهناك رخص كان بوسعهم أن يأخذوا بها لكنهم أبوا إلا التطبيق الكامل لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: "خذوا عني مناسككم".

فيا عجباً كم كان تأثير هذه الكلمة النبوية قوياً في نفوسهم، وكيف فعلت فعلها في قلوبهم، فجعلت هذه الملايين يقومون بتطبيقها مهما كلفهم ذلك من ثمن، ومهما تعرضوا لمتاعب ومصاعب.

3- رمي الجمرات والمعركة مع الشيطان

يلاحظ عند رمي الجمرات أنَّ المعركة مع الشيطان حقيقية، ولذلك فهي تتطلب استعداداً، وجهداً، وتحضيراً.

ويبدأ من مزدلفة جمع الحصى

الذي يمثل السلاح الذي يرمى به الشيطان.

وإذا كان أمر هذه المعركة تأخذ طابع الجدّ بصورتها المذكورة فليس من العقل إذن أن نلهو ونلعب في مصارعة هذا الشيطان، وعندها ينقاد الإنسان لحبائله ودسائسه، ويسير متبعاً خطواته، قال تعالى: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير".

4- إنَّ الشيطان له أدواته، وله سلطانه، وله وساوس، وله نفثات، وإنَّ نفثه مثل لسعة الدبور أو لسعة العقرب، أو لسعة الحية، أو كإبرة تحمل سماً يجري في الإنسان مجرى الدم في العروق... 

ولهذه النفثات آثارها الخطيرة في حياة الإنسان، فقد تمتد لساعات أو أيام أو سنوات وقد تقضي عليه فيكون من أصحاب السعير، ولا ملجأ من شروره ونفثه إلا الاعتصام بالله سبحانه.

?وقد قلت في هذا المعنى:

نفثات الشيطان في المرء تسري=سريان الأرواح في الأجساد

لسعات لا يستطيع فكاكا من =أذاها إلا فتى العباد

5- ورمي الجمرات فيها هذه التربية، وهذا التعليم في هذه المعركة الفاصلة مع الشيطان، وهي لا يمكن أن تفهم إلا بالنبوات التي تعصم الإنسان في دنياه وآخرته.

وتكراره في يومين أو ثلاثة تأكيد لهذه المعاني في النفوس، وترسيخ لأصول المعركة الكبرى مع العدو الأكبر.

وأما التفصيلات المتعلقة بهذه الشعيرة من أمر المبيت، ومن توقيته ففيها متسع كما هو واضح في تفصيلات الفقهاء.

وقد لاحظت أنَّ أوسع الاجتهادات الفقهية في أمر المبيت رأي الحنفية، فعندهم المبيت سنة.

وأوسعها في توقيت الرمي رأي الشافعية..

وقد سمعت شيخنا الشيخ عبد العزيز بوشي حفظه الله تعالى يقول: في الحج يؤخذ بالرخص توسعة على الناس، ورفع الرج عنهم؛ لحديث افعل ولا حرج..

وفي الزكاة يؤخذ بالأشد لمصلحة الفقير..

6- لا أعلم أمة في الأرض ترجم الشيطان، وتحاربه كما هي أمة الإسلام، بينما نجد أقواماً تعبده، وتنفذ أوامره، وتقيم له طقوس العبادة والطاعة نسأل الله العافية، بينما يرمى في هذه الأيام المباركة بملايين الحصى، تعبيراً عن الرفض التام لكل مخططاته، وخطواته، ووساوسه، ونفثاته..

إنَّ عدد الإجمالي الحجيج بحسب الإحصائيات الرسمية لهذا العام قد بلغ (2.371.675) حاجّاً

وإذا رمى المتعجِّل تسعة وأربعين حصاة، سيكون العدد (116,212,075) حصاة.

وإذا رمى المتأخر سبعين حصاة، فيكون العدد (166,017,250) حصاة.

وقد قام بذلك حجاج بيت الله مهلِّلين ومكبِّرين مع كل حصاة..

7- والمسلمون يطبِّقون بهذا الرمي سنة إبراهيمية، أكَّدها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 

وقد جاء في حديث ابن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "لما أتى إبراهيم خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، قال ابن عباس: "الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون..".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين