زوجان كبيران

زوجان كبيران تجاوزا الخمسين من العمر، أو الستين، أو ما فوقها، هل يمكن أن يكونا سعيدَيْن؟

وأرى أن الإجابة هي نعم، بل إني أقترح تغيير صيغة السؤال وتبديل كلمةٍ فيه وهي (يمكن) لتكون: (يجب)، ليصبح السؤال: هل يجب أن يكونا سعيدَيْن؟

والإجابة أيضًا هي: نعم، يجب أن يكون الزوجان الكبيران سعيدَيْن.

ولا أشك في أن كثيرين سيعترضون ويسألون: لماذا يجب أن يكونا سعيديْن وقد مضى بهما قطار العمر؟! إن الأزواج الشباب أجدر منهم بهذه السعادة!

والردّ على ذلك هو أن الزوجين الكبيرين صارا أنضج عقلًا، وأقل غضبًا، وأوسع صدرًا.. صارا يمتلكان قدرًا غير قليل من حكمة الشيوخ.

كذلك فإن الدنيا التي كان يمكن أن يختلفا عليها، ولعلهما سبق أن اختلفا عليها كثيرًا، بدَأتْ تُولِّي عنهما مدبرة، فما بقي لهما فيها في الأغلب إلا أقل مما مضى منها.

إضافة إلى أن الشهوات المختلفة عندهما هدَأَتْ أو سَكَنَتْ أو انطفأَت، وبعض تلك الشهوات هي التي تكون وراء نزاعات بعض الأزواج الشباب الذين يمكن أن تفتنهم نساء يغوينهم ويهدمن بيوتهم، لهذا توعَّد النبي صلى الله عليه وسلم الشيخ الزاني وجعله أول الثلاثة الذين لايكلمهم الله ولاينظر إليهم ولايزكيهم ولهم عذاب أليم؛ قال صلى الله عليه وسلم : (ثلاثة لايكلمهم الله يوم القيامة، ولايُزكيهم، ولاينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كذّاب، وعائلٌ مُستكبر) صحيح مسلم، واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أضرّ فتنة على الرجل: (ماتركتُ بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء) متفق عليه.

والزوجان الكبيران حقّقا أكثر آمالهما في الدنيا، فقد كبر الأبناء والبنات، ولعل بعضهم تزوج وأنجب، فصار الزوجان جَدَّيْن يفرحان بأحفادهما الذين صاروا مصدر بهجة وسعادة لهما، وما عاد السعي إلى المال وجَمْعِه همّهما، وما عادا يختلفان عليه كثيرًا، أو هذا ما يجب أن يكونا قد صارا إليه.

واقتراب الموت الذي هو غاية كل حي، يجعل الزوجين أزهد في الدنيا، وأكثر استعدادًا للقاء ربهما، فيجب عليهما أن ينشغلا بمقتضيات ذلك؛ من أداءٍ لفريضة الحَجّ إن لم يكونا قد أدّياها، وزيادة العمرات، والخشوع في الصلاة، يفعلان هذا وأكثر منه بعد أن بلغا سنًّا تُوجِب عليهما أن يستدركا ما فاتهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أعذَر الله إلى امرئ أخَّر أجَلَه حتى بلغ ستين سنة) صحيح البخاري.

ومن الساعات الجميلة السعيدة التي يعيشها الزوجان الكبيران معًا: أوقات استرجاع ماضيهما السعيد، وذكرياتهما معًا، سواء بالحديث عنها، أو بعرض أشرطة فيديو صوّراها لهما ولأولادهما في مراحلهم العمرية المختلفة، وكذلك بإخراج ألبومات الصور وتصفُّحها، ولاشك في أن ذلك سيُثير فيهما مشاعر إيجابية طيّبة، ويرسم على شفاههما ابتسامات السعادة والسرور.

ولاحرج على الزوجين الكبيريْن من بعض اللهو المباح، إن لم يكن يجب عليهما القيام به، ولنا في النبي صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة في ذلك؛ فقد سابق زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها مرتين وكان صلى الله عليه وسلم قد تجاوز الخمسين من عمره بسنوات؛ فَعَن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، قالت: سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا؛ حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبَقَني، فقال: (هذه بتلك) صحيح الجامع.

قال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل: هذا من حُسن خُلُقِه صلى الله عليه وسلم مع أهله، وملاطفته لهم، وحسن المعاشرة، وفيه جواز المسابقة على الأقدام، وفيه إدخال السرور على زوجته بما يؤنسها، وهي سَبَقته في المرة الأولى لأنها كانت خفيفة لم تحمِل من اللحم مايُثقلها ويمنعها من قوة الجري؛ فلهذا سبَقَتْه. فصبَر لها صلى الله عليه وسلم ، فلما كان بعد مدّة، وجاءت مناسبة أخرى سابقها، وكانت في هذه المرة قد حمَلَت من اللحم، وسمُنتْ، وأرهقها اللحم يعني أثقلها، فسبقها هذه المرة، فقال صلى الله عليه وسلم تطييبًا لخاطرها: (هذه بتلك)، يعني: هذه السبْقة مني مقابل سبقتك الأولى لي، فحصل التعادل.

هكذا ينجح الزوجان وقد تقدم بهما العمر أو حتى بأحدهما دون الآخر في إسعاد نفسيهما، وإبعاد النزاعات والشجارات عنهما.

وأخيرًا فإنه يحسُن بالزوجَيْن الكبيريْن في السِنّ أن يكونا كبيرَيْن في كل شيء، في حِلمهما، في صبرهما، في تغاضيهما، في حبهما، وفي تسامحهما.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين