أيّها المسلمون: لا تنتحروا!

كثيراً ما أقرأ بحثاً أو مقالاً، أو أستمع إلى خطبة أو حديث، فيكون تعليقي: كل ما قيل صواب، لكنّ اعتراضي ينصبّ على إغفال ما أغفله الكاتب أو المتحدث.

استمعت إلى خطيب الجمعة يتحدث عن ظاهرة الانتحار المتنامية، ليس في البلاد غير الإسلامية فحسب، بل في بعض بلاد المسلمين.

والانتحار، في ميزان الإسلام، كبيرة من الكبائر، حذّر منها القرآن الكريم في قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم. إنه كان بكم رحيماً). {سورة النساء: 29}، وحذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث، من أشهرها: "مَنْ قَتَلَ نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها أبداً...". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

واستحضر الخطيب إحصاءات محلية وعالمية تؤكد أن عمليات الانتحار في تزايد مقلق...

كل ما ذكره الخطيب حق وصواب، لكنه لم يذكُر: لماذا يحدُثُ ما يحدث؟.

إن أهم أسباب ذلك هو ضعف الإيمان في قلوب الناس. فالمناهج المدرسية التي تُنشّأ عليها الأجيال، والروافد الثقافية من إذاعات وفضائيات وصحافة... كلها تعمل على إغفال قضية الإسلام والإيمان، أو تقلل من جرعاتها التي تحتاجها النفوس حتى تبقى هذه القضية حية نابضة في القلوب، بل إن بعض تلك الروافد قد تغمز من قضايا الإيمان والاحتكام إلى دين الله، وصياغة السلوك بما يرضي الله.

فإذا كان الإيمان بالله تعالى، وبعدله، وبرحمته، وبعذابه... ضعيفاً، فكيف يمنع إنساناً وقع في أزمة ولم يجد له منها خلاصاً إلا بالموت... كيف يمنعه مِن قتْلِ نفسه؟!.

وإذا كان الإيمان باليوم الآخر، بما فيه من أجر عظيم للمتقين الصابرين، وعذاب أليم لمرتكبي الكبائر والآثام، ضعيفاً، فكيف يمنع المأزومَ من قَتْل نفسه؟

لقد ربط القرآن الكريم بين اليأس والكفر. قال الله تعالى: (إنه لا ييئس من رَوح الله إلا القوم الكافرون). {سورة يوسف: 86}.

وإن مجتمع الإيمان الذي يحتكم إلى دين الله، ترفرف في ربوعه الرحمة والمروءة والكرم والتواصل والتكافل... وتتضاءل فيه أسباب القهر واليأس والحرمان.

إن الإيمان كلما عَمَرَ القلوب انتشر الخير والأمن والسعادة، وكلما ضعُف أو نَضَبَ انتشرت الجريمة والظلم والشقاء.

عندما يضعف الوازع الديني في المجتمع فالسرقة والتزوير والربا والزنى وقتل الإنسان لنفسه أو لغيره...هي سلوكات متوقعة.

إنه الإيمان قبل أي شيء آخر. إنه إما إيمان قوي يقظ يدفع صاحبه نحو كل خير وفضيلة، ويفتح القلب على النور والهدى والأمل... وإما إيمان ضعيف لا تكاد تجد له أثراً في النفس والسلوك.

فيأيها المسلمون، أفراداً وجماعات ودولاً، أيقظوا الإيمان في النفوس، واجعلوه النبراس في شؤون الحياة كلها... وإلا فانتظروا الشرور والآثام... والانتحار!.

وإنّ تغييب الإيمان والشرع عن حياة المجتمع هو انتحار جماعي.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين