الحوار الخامس حول حديث من يجدد لها دينها

ـ كتب أحد المحاورين حول حديث "إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها" كلاما طويلا بدا لي أن أعلق عليه وأبين وجهة نظري فيه. 

كتبت بضع صفحات، وعندي كلام طويل جدا ونصوص كثيرة، ثم بدا لي أن من لم يقبل بمنهج الإمام البخاري ومنهج الإمام مسلم ومنهج الإمام النَسائي وتزكية الحافظ الذهبي للنَسائي فبأي شيء يقبل؟!. ومن لم يقبل كذلك بما قاله الحافظ ابن حجر!، فبأي شيء سيقبل؟!. 

مسحت ما كتبته وتركت ما أردت أن أكتبه وقلت: حسبنا الله ونعم الوكيل. 

ـ في كلامه افتراءات لا شك أنه يعلمها، آثرت أن لا أخوض فيها، ووكلت رب العالمين، فهو الذي يأخذ لي حقي، وأفوض أمري إلى الله. 

ـ حزنت لما آل إليه الأمر عند شريحة من طلاب العلم، حيث أصبح منهج كبار الأئمة مشكوكا فيه، بل مرفوضا!. 

* ـ أريد أن أذكر ثلاثة نبذ في مسألة منهج الأئمة المتقدمين ومنهج من جاؤوا بعدهم في اختلاف الرواية رفعًا ووقفًا للاطلاع، لعل في ذكرها بعض الفائدة: 

* ـ قال الترمذي في العلل الكبير: حدثنا قتيبة قال حدثنا أبو عوانة عن أبي يعفور أنه قال: سألت أنس بن مالك عن المسح على الخفين فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عليهما. سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: أخطأ فيه قتيبة بن سعيد، والصحيح عن أنس موقوف. [قتيبة بن سعيد وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله وأبو يعفور العبدي ـ واسمه واقد ـ ثقات، وقال ابن حجر عن قتيبة: ثقة ثبت]. أي سأل شيخه الإمامَ البخاري محمدَ بنَ إسماعيل رحمه الله. 

ملحوظة: إذا كانت الرواية عن أنس في المسح على الخفين معلولة فهذا لا يعني أن حديث المسح على الخفين غير صحيح من رواية صحابة آخرين، فهو صحيح ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم من رواية عدد من الصحابة الآخرين. 

* ـ قال البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة أيوب بن خالد: [روى إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد الأنصاري عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "خلق الله التربة يوم السبت"، وقال بعضهم "عن أبي هريرة عن كعب"، وهو أصح]. وحديث "خلق الله التربة يوم السبت" رواه مسلم في صحيحه. 

* ـ حديث "من لم يجْمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" في سنده اختلاف، ورُوي بالرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالوقف على الصحابي: 

فأما الرواية بالرفع فرُويت من طريقين فيهما ضعف عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، مع بعض الاختلافات اليسيرة غير المؤثرة في إسناد الرواية. 

وأما الرواية بالوقف على الصحابي فرواها تسعة من الرواة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أو عن حفصة رضي الله عنهم، مع بعض الاختلافات اليسيرة غير المؤثرة. ورواه مالك وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر موقوفا. فهذه الروايات في قمة الصحة. 

كيف نظر العلماء إلى هذا الاختلاف في الرواية؟: 

الأئمة الكبار من علماء الحديث الذين هم أئمة هذا العلم رجحوا أن النص المذكور هو من قول الصحابي، أي إن الحديث موقوف، منهم الإمام أحمد ابن حنبل والبخاري وأبو حاتم الرازي والترمذي والنسائي والدارقطني. 

أما الذين ينظرون إلى ظاهر الإسناد ـ ولو في بعض الروايات دون المقارنة مع الروايات الأخرى ـ فرجحوا أن هذا النص ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، منهم ابن خزيمة والخطابي والحاكم والبيهقي وابن حزم وابن الجوزي والألباني. 

وكل واحد منا يختار حسب المنهج الذي يغلب على ظنه أنه أصح. 

أنا أتمسك بمنهج الأئمة المتقدمين، ولا أحيد عنه ولو كتب الباحثون مئات الصفحات من كلام غيرهم. ولكلٍّ وجهة. 

* ـ وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الهادي الأمين، وعلى زوجاته أمهات المؤمنين، والخلفاء الراشدين، وآل بيته الطاهرين، وصحابته أجمعين، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين. 

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 18/ 11/ 1439، الموافق 31/ 7/ 2018، والحمد لله رب العالمين. 

الحلقة السابقة هــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين