معنى حديث التجديد

 

قالوا: اشرح لنا معنى حديث التجديد. قلت: سبق لي أن ألقيت دروسًا غير مرة في مناسبات عديدة في بعض الكليات والمراكز التعليمية في بريطانيا حول موضوع الإصلاح وتاريخه، شرحت فيها معنى حديث التجديد الذي اشتهر في الناس اشتهار النار على العلم، وسارت به الركبان، وتناوله العلماء بالشرح والبيان.

وهو الحديث الذي أخرجه الإمام أبو داود في الملاحم من سننه عن سليمان بن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".

الظاهر أن قوله (فيما أعلم) قائله أبو علقمة أو من دونه، يقول: في علمي أن أبا هريرة حدثه مرفوعًا لا موقوفًا عليه.

قال أبو داود: رواه عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني (أي عن شراحيل بن يزيد المعافري)، لم يجز به شراحيل، فالحديث معضل، إذ أسقط عبد الرحمن بن شريح أبا علقمة وأبا هريرة. وعبد الرحمن بن شريح ثقة اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه، وكذلك سعيد بن أبي أيوب الذي رواه موصولا متفق على الاحتجاج به، فوقع فيه اختلاف ثقتين في الاتصال والانقطاع، ولعل الراجح هو الانقطاع، فإن من وصله لم يجزم برفعه.

وشراحيل بن يزيد المعافري، لم يخرج له أصحاب الأصول الستة إلا أبا داود، فإنه أخرج له هذا الحديث الواحد، ولم يخرج له غيره، ولم يوثقه أحد، غير أن ابن حبان ذكره في الثقات، وقال البخاري في التاريخ الكبير (4/255): شراحيل بن يزيد المعافري، سمع مسلم بن يسار، عن أبي علقمة. روى عنه عبدالرحمن بن شريح وسعيد بن أبي أيوب".، فلم يثبت البخاري سماعه من أبي علقمة، وأدخل بينه وبينه مسلم بن يسار.

وقد أخرجه أبو القاسم الطبراني في المعجم الأوسط من طريق عبد الله بن وهب به، ثم قال: "لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن وهب".

قالوا: فما رأيك فيمن صحح هذا الحديث؟ 

قلت: صححه بناءً على أن رجاله رجال مسلم، فأخطأ في ذلك، لأن مسلمًا لم يخرج لشراحيل هذا إلا حديثا واحدا في المقدمة، ولم يخرج له شيئا في كتابه، ومن المعلوم أن شرط مسلم في المقدمة دون شرطه في الكتاب، وقد نص على ذلك الأئمة الكبار والعلماء الأعلام.

فالحديث كما نرى فرد ضعيف مشكوك فيه رفعه، والعجب الغريب (والعجائب والغرائب لا تنتهي) أن الناس ربطوا الإصلاح والتجديد بمائة سنة، حتى جاء السيوطي فسمَّى المجددين في كل مائة سنة، وحصر أمر التجديد بعد الإمام الشافعي في أتباع مذهبه، وذكر في المائة الثالثة ابن سريج والأشعري، وأغفل الإمام أحمد بن حنبل، وهو لاشك أفضل من قام بأمر الإصلاح والتجديد في ذلك القرن.

ورشح السيوطي نفسه للتجديد في قرنه فقال:

وهذه تاسعة المئين قد

أتت ولا يخلف ما الهادي وعد

وقد رجوت أنني المجدد

فيها بفضل الله ليس يجحد

وأغلق السيوطي بعد ذلك باب التجديد، وقال:

وآخر المئين فيما يأتي

عيسى نبي الله ذو الآيات

السؤال الذي ينبغي أن يثار هنا: أليس الناس في كل عصر في حاجة إلى من يصلح لهم أمر دينهم، فلماذا ننتظر إلى إتمام مائة سنة حتى يظهر مصلح، ثم إن التقويم الهجري لم يكن في الوجود حينما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا.

فما هو الأمر الثابت المعول عليه في ذلك؟ 

قلت: الأصل في ذلك الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهو على ذلك". ويشرحه الحديث الذي جاء فيه: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين".

قلت: نحمل حديث مائة سنة على قرن، والقرن معناه الجيل والطبقة من الناس، فإذن يكون في هذه الأمة في كل جيل وطبقة من الناس مصلحون.

وهذا المعنى هو الذي ذهب إليه الإمام أحمد بن عبد الرحيم المعروف بولي الله الدهلوي حيث يقول في حجة الله البالغة: "قوله صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على الضلالة)، وقوله صلى الله عليه وسلم (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) تفسيره في حديث آخر: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين