رحلة الحج (9)

يوم الجمعة 28 من ذي القعدة سنة 1439هـ

اضطجعنا بعد صلاة الفجر نائمين، واستيقظنا الساعة التاسعة، وأفطرنا في مطعم الفندق، ورجعنا إلى غرفتنا، وأخذنا في القراءة والكتابة والاستعداد للصلاة.

صلاة الجمعة:

شاهدت من نافذة غرفتي الأنام متوافدين إلى الحرم الشريف لأداء صلاة الجمعة، وسألتني بناتي أن نبكر تبكيرهم فنصلي في داخل المسجد، فقلت: أخشى أن يشق علينا طول لبثنا في مكان واحد ولا نصبر صبرهم، ولعلنا يغلبنا النوم ونحن جالسون ننتظر الصلاة، واقترحت أن نوافي الحرم الشريف في الساعة الحادية عشرة والنصف ونطوف بالبيت طوافا قبل أن يقوم الإمام للخطبة، ولا أرانا يحال بيننا وبين الطواف.

نزلنا في الساعة الحادية عشرة والنصف إلى الدور الأرضي من الفندق ساعين إلى باب الملك عبد العزيز فإذا بالمصلين جالسين منسقة صفوفهم في ردهات الفندق ومداخله وطرقاته، فخشينا أن تُسدَّ علينا الأبواب في الحرم، ولا نجد للدخول فيه سبيلا، وزادنا همًّا قصد جماهير نحو الفندق للصلاة، ونزلنا إلى ساحة الحرم وقد نصبت الحواجز من كل جانب، فتوسلنا إلى الشرط أن يسمحوا لنا باختراقها، واشتد إلحاح المصلين عليهم، ودُفعنا يمنة ويسرة في حر الشمس يؤذينا، فسألتني سمية أن نقفز الحواجز وننفذ إلى الحرم، فأنكرت سؤالها، ولما يئسنا ورأينا من بعض الشرط لِينًا في موقفه أذنت لعائشة أن تتخطى الحاجز ففعلت، ثم تبعتها، وتبعتنا فاطمة وسمية، فلا ندري أحسنَّا فيما اضطررنا إليه أم إنا من المسيئين، والله يغفر لنا زلاتنا ويرحمنا، وهو أرحم الراحمين.

صعدنا إلى الدور الأول وأخذنا في الطواف، ولكن صفوف المصلين في المطاف منعتنا من السير، فأجلنا الطواف، وصلينا ركعتين، وجلسنا ننتظر الصلاة حتى أذن المؤذن، فقام الخطيب وهو فضيلة الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي حفظه الله تعالى، وتحدث عن فضل أيام ذي الحجة، وأوصى المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون)، وقال: شرع الله لعباده مواسم الخيرات ليغفر لهم الذنوب ويجزل لهم الهبات وشرع الشرائع وأحكم الأحكام، ونحن الآن قد أظلنا موسم عظيم وأيام مباركة كريمة هي أيام العشر الأول من ذي الحجة، وهي أفضل الأيام التي خلقها الله على الإطلاق وأفضل أيام الدنيا، كما بين ذلك صلى الله عليه وسلم أنها أيام خير وفوز وفلاح، فمن أدركها وتعرض لنفحاتها سعد بها وهي فرصة عظيمة للتزود والاغتنام، واستدراك ما فات وموسمها مشترك بين الحاجين والقاعدين، وعلى كل مسلم أن يري الله من أنفسنا خيراً خاصة في هذه الأيام العشر التي أقسم الله بها في كتابه فقال عز من قائل (والفجر وليالٍ عشر)، وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضلها بقوله: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)، فاكثروا منهن بالتهليل والتكبير والتحميد، ومن الفطنة أن يختار المسلم من الأعمال الصالحة أحبها إلى الله تعالى فيتقرب إليه بها، فالعمل في العشر محبوب أياً كان نوعه فيشرع فيها التسبيح والتهليل والتكبير والذكر والاستغفار وقراءة القرآن الكريم والصيام والصدقة والدعاء وبر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوبة إلى الله والاهتمام بالأعمال القلبية، ومنها الصدق والإخلاص والصفح والعفو والتخلص من الحقد والشحناء والبغضاء وسائر المعاني المبذولة التي لا يحبها الله.

وقال: المسجد الحرام له مزية ليست لغيره، وهي مضاعفة أجر الصلاة فيه أكثرَ من غيره، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاة)، وقال بعض العلماء: "فحُسِب ذلك على هذه الرواية فبلغت صلاةٌ واحدةٌ في المسجد الحرام عُمُرَ خمسٍ وخمسين سنة وستةِ أشهر وعشرين ليلة، وصلاةُ يوم وليلة في المسجد الحرام وهي خمسُ صلوات عُمُرَ مائتي سنة وسبعٍ وسبعين سنة وتسعةِ أشهر وعشرِ ليال، والله يضاعف لمن يشاء والله ذو الفضل العظيم، ومن فضل الله على الأمة أن شرع لها موسمًا عظيمًا من التجارة الرابحة يتنافس فيه المتنافسون ويربح فيه العاملون ويجتمع فيه شرف الزمان وشرف المكان، أما الزمان فالأشهر الحرم وهي ذو القعدة، ذو الحجة والمحرم ورجب، وأما شرف المكان فهذه مكة البلد الحرام أقدس بقعة على وجهة الأرض، وهي مقصد كل عابد ذاكر حرمها الله على خلقه أن يسفكوا بها دمًا حرامًا أو يظلموا فيها أحدًا أو يصيدوا صيدها أو يقطعوا شجرها، وفي هذه الأجواء المباركة يأتي موسم حج بيت الله العظيم الذي جعل قلوب الناس تهوي إليه وترقُّ لذكره وتخشعُ عند رؤيته إجلالاً لله وتعظيماً لشعائره وها هي قوافل الحجيج تتقاطرُ على البيت العتيق من كل فج عميق، ملبين نداءَ خليلِ الله إبراهيمَ عليه السلام الذي أمره الله بقوله: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى? كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ). 

النسبة الإبراهيمية:

وبعد أن انصرفنا من الصلاة واصلنا أشواطنا للطواف في هدوء وسير بطيء، ولما قضينا الطواف بدأت أفكر في التغييرات التي طرأت على مباني الحرم الشريف طوال التاريخ، فالمبنى الذي رفعه إبراهيم وإسماعيل كان مبنى بسيطا، ثم زاد الملوك والسلاطين عليه زيادات كثيرة، واتَّسع المسجد اتساعا يفوق توهم المتوهمين، فهل أثر ذلك في نسبة البيت إلى إبراهيم؟ لا، لأن نسبة إبراهيم ليست عبارة عن الحجر واللبن، والجدار والسقف، ولكنها نسبة معنوية نابعة من عقل إبراهيم وقلبه، من إيمانه وإسلامه، من حلمه وصبره، من إنابته وحنيفيته، من كلمات ابتلاه ربه بهن فأتمهن، فجعله للناس إماما، وتخلد إمامته إلى يوم القيامة، وما الملوك والسلاطين إلا أتباعا لأتباعه، صلى الله عليه وآله.

الشيخ عبد الله التوم:

ولما رجعنا إلى غرفتنا في الفندق وجدت رسالة من أخينا الكريم الشيخ عبد الله التوم على الجوال يسألني فيها إذا كنت قد وصلت إلى مكة المكرمة وفرغت من نسكي، فأخبرته بذلك، وقررنا أن نلتقي بعد العشاء ونزور بعض الإخوة العلماء.

أخونا الدكتور عبد الله بن أحمد بن عبد الله التوم، عمل البكالوريوس في الشريعة من كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم (جامعة القصيم حاليا) بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، والماجستير في أصول الفقه من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، والدكتوراة في أصول الفقه من قسم الشريعة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، وتلقى العلم في فنون متعددة على مجموعة من المشايخ على رأسهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ويقوم بالتدريس في قسم الشريعة بجامعة أم القرى، وبكلية الحرم المكي الشريف بالمسجد الحرام، ويشارك في دورات علمية في المسجد الحرام وفي جامعة أم القرى وغيرهما لفنون مختلفة. ومن رسائله وبحوثه: الاستدلال بالتلازم على القواعد الأصولية في مباحث الحكم والأدلة الشرعية، جمعا وتوثيقا ودراسة (رسالة الماجستير)، ومثارات الغلط المعنوية الواردة على الاستدلال وأثرها على المسائل الأصولية والفقهية والنوازل المعاصرة، دراسة نظرية تطبيقية (رسالة الدكتوراة)، ودليل التلازم، دراسة نظرية (بحث محكم مطبوع)، وإجازة الشيخ أحمد الله القرشي للشيخ عبد الله القرعاوي، وبآخره إجازة القرعاوي للشيخ حافظ الحكمي (تحقيق مطبوع)، والتواتر عند الأصوليين (مخطوط)، والأصل في الدية (مخطوط).

تعرفت عليه من طريق أخينا الكريم الشيخ أحمد عاشور، وسرعان ما تحولت المعرفة إلى أنس ومودة وأخوة، وحضرت معه دروس شيخنا محمد يونس الجونفوري في الحرمين الشريفين، ودرت معه على الشيوخ نقرأ عليهم ونستجيزهم، وله علي فضل كبير، وهو من الإخوان الأوفياء الذين قد جاوزوا القنطرة في النصح والتعاون على الخير وإسداء المعروف وطرح التكلف، وهو أول من أتصل به إذا زرت مكة المكرمة.

ركبنا سيارة أجرة إلى منزل الشيخ عبد الله التوم، ثم ركبنا سيارة الأخ تركي الفضلي إلى شقة الشيخ ماجد الحكمي، حيث نلقاه ونلقى الشيخ عمر حبيب الله.

الشيخ تركي الفضلي:

وهو من الشباب الطالبين للحديث الشريف وعلومه، تميز بمقروءاته ومسموعاته على الشيوخ، واستجاز منهم، وأعد استدعاء يستجيز عليه من كل من لقيه من المشايخ الحجاج والمعتمرين، فجزاه الله تعالى خيرا.

وله اعتناء بصحته، متقلل من الأكل، محتم من السكريات والدهنيات، وممارس للرياضة البدنية، يمشي يوميا على قدميه لساعة، وقد يمازحه الشيخ محمد زياد التكلة مستطرفا مواظبته على المشي واستحثاثه غيره عليه، وأعجبني من الشيخ تركي اهتمامه بالتخفيف من وزنه وتعديل جسمه، وهو مطلب صعب، ولكنه سهَّله عليه عزمه، فما كل ذي حاجة بمدركها، وكم من يد لا تنال ما طلبت، وشرّة الناس ربما جمحت، وشهوة النفس ربما غلبت، وما أغفل العلماء والطلاب عن هذا المقصد الشريف، وما أشدهم عرضة للسمن وثقل البدن والأمراض الناشئة منهما، وكان من إعجابي به مواعدتي إياه أن أمشي معه في مشواره بعد الحج إن شاء الله تعالى.

والأخ تركي شاب حلو الكلام، هين لين، محترم لجليسه متواضع، ذو أخلاق عالية، ولعل بعض ذلك من شؤونه من بركة الحديث.

الشيخ ماجد الحكمي:

والشيخ ماجد الحكمي من الشباب النشطاء في العلم والحديث، وقد رحل في سبيل الحديث إلى الهند وغيرها من البلاد، متيقظ فهم، عزيز ذو كرم، يلقى زائره بوجه أغر مبتسم، وإذا كان الأخلاء يتنقون وينتقدون فهو منهم، ساع للمكارم، وبان لمصانع المجد، رفعه الله شأنا وقدرا.

الشيخ عمر حبيب الله:

والشيخ عمر حبيب الله، من المجيدين للغتين العربية والإنكليزية، وأقام في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من سنة، وزار الهند واستجاز الشيوخ، وحصل على الإجازات، وصور المخطوطات، وعمل تراجم لشيوخ الهند في خمسة مجلدات مع وثائق وتحقيقات، وهو الآن يهذبها، وأرجو أن يطبعها قريبا فينتفع بها الباحثون.

مجلس:

ووصلنا إلى بيت الشيخ ماجد فنزل وعانقني محتفيا بي ومرحبا، ومعربا عن سروره البالغ وانبساطه الكبير، ودخلنا في منزله فإذا فيه شباب موفقون للصواب من أهل العلم، لا تحضرني الآن أسماؤهم، ويجمعهم حبهم للدين واشتغالهم بالعلم، فعالهم منورة مثل وجوههم، غير متنافسين في الدنيا ولا متسابقين إلى متعها ونزعاتها، ولا متكالبين على أسباب العيش واللذة، وأي عيش والعيش منقطع، وأي طعم للذة واللذة ذاهبة، ووجدتهم من خيرة الأصحاب، لا يستكبرون ولا يجاوزون حدودهم ولا يتعامون عن أقدارهم، ففرحت جدا بلقائهم، لأني أصافي الكرام أهل النهى، وأحب ذوي العقول والحجى، وهي كنز الكنوز ومعدن الإفضال، وأحذر مودة الأنذال واللئام، فالقرب منهم والجلوس إليهم مسبة وعار، ونقصان دين وشنار، هذه هي سنتي، فلا تحاولوا مني شيمة غير شيمتي، ولا تطلبوا عندي مذهبا غير مذهبي.

وتناولنا موضوعات شتى بالنقاش والكلام من الحديث والإسناد، والسماع والقراءة والإجازات، والأسفار والرحلات، والمسندين والمسندات، وأخبار المدارس والمراكز، والكتب المطبوعة والمخطوطة، وعن الشيخ أحمد عاشور والشيخ محمد زياد التكلة وغيرهما ممن نتشارك في مصادقتهم وودادهم، وبالغوا في إكرامي فسألوني أن أسمعهم المسلسل بالأوليّّة ففعلت، وأجزتهم على استدعائهم، وإنه ليثقل علي عدم موافقة الأحبة والأخلاء على هواهم.

وأضافنا الشيخ ماجد على عشاء، فيه أنواع من الطعام الشهي، وأبرزها "روست البيك"، رغَّبني فيه قائلا: كنتَ استفسرت عنه الشيخ أحمد عاشور العام الماضي فأحضرته لتعرفه، فأبهجتني هذه العناية من الشيخ ماجد، وما أبلغه في تعريف الشيء بمثاله، وتقريب المعنى بتأويله إلى حقيقته.

هدايا كتب:

وأهدى إلي الشيخ عبد الله التوم كتبا:

منها (آداب الشافعي ومناقبه) للحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ)، تحقيق أبي همام محمد بن علي الصومعي البضاني، طباعة دار الناشر المتميز في الرياض سنة 1439هـ، قال المحقق في مقدمته: "وقد دوَّن (أي ابن أبي حاتم) في هذا الكتاب أقوالا كثيرة عن الإمام الشافعي رحمه الله في الفقه والفراسة والطب والتاريخ والآداب وعلم المصطلح والجرح والتعديل، وصدَّر ذلك بالكلام عن ولادة ذلكم الإمام ونشأته وطلبه للعلم وتواضعه وورعه وعبادته، فأبرز تلك الجوانب عنه في صفحة مشرقة بهية، وكل ذلك يسوقه رحمه الله بأسانيده متفننا في سوقها".

ووددت لو أن محقق الكتاب لم يتعرض لمحقق الطبعة السابقة للكتاب الشيخ عبد الغني عبد الخالق، والعلامة محمد زاهد الكوثري، والمحدث الحافظ عبد الفتاح أبي غدة رحمهم الله تعالى بالطعن بل بالهمز واللمز، فإن مثل هذه الطعون لا فائدة تحتها إلا استثارة الضغائن وتعضيد الطائفية البغيضة، وما أشدنا حاجة إلى علماء يجمعون، لا علماء يفرقون، اللهم ألهمنا السداد والرشاد.

ومنها (القواعد الفقهية) للدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، طباعة مكتبة الرشد سنة 1436هـ، قال في مقدمته: "ولا أريد غمط جهود الآخرين في مجال التأليف في القواعد الفقهية، لكن أولئك كانت دراساتهم في مجال التطبيق، وشرح القواعد أكثر وأوسع من الدراسة النظرية، ولم يقدموا في الدراسة النظرية شيئا ذا بال".

"إن الذي حدا بي إلى التأليف في هذا المجال، هو ما لمسته من حاجة إلى مزيد دراسة لهذا الموضوع، ربما سدت فراغًا قائمًا فيه، وقد يكون سدًّا غير محكم، ولكني أرجو أن يكون بتوفيق من الله مفيدا ونافعا، ولقد أعطى هذا الكتاب موقفا حاسما في كثير من القضايا المتردد فيها، وبيَّن مقومات القاعدة الفقهية ببيان أركانها وشروطها، وشروط تطبيقها، مما لم يبحث في الكتب المؤلفة في هذا المجال، أو بحث - وذلك في غاية الندرة - ولكن بطريقة لم نرتضها، ووسعت الكلام في دليلية القاعدة، وبينت مدى الإفادة منها في الاستنباط والتخريج والترجيح عدا المباحث التي تناولها غيري، ولكني بحثتها بطريقة أوسع، وناقشت وحلَّلت كثيرا من الآراء، وانتهيت منها إلى رأي خاص".

ومنها (أقصى الأمل والسول في نظم علوم حديث الرسول) للعلامة شهاب الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن خليل الخويي الشافعي (ت 693هـ)، اعتنى بها محمد بن أحمد آل رحاب ومحمد بن أحمد الشافعي، وهو نظم مقدمة ابن الصلاح رحمه الله، وجاء في مقدمة التحقيق: "لكنه - مع كونه الأول والمقدم، ومع نفاسته وسلاسته وعلو كعب ناظمه - لم يشتهر، ولم يتوفر بين أيدي أهل العلم حتى يومنا هذا، وللأسف الشديد فلم يطبع حتى الآن، ولم أقف له على شرح فيما اطلعت عليه في الخزانات العامة والخاصة أو حتى في فهارس الكتب والمخطوطات التي قرأتها".

ومنها (الحج) للدكتور محمد بن إبراهيم الحمد، طباعة دار ابن الجوزي سنة 1439هـ، ويشتمل الكتاب على آداب الحج ومنافعه ودروسه ومشاهد التقوى والذكر فيه وما إلى ذلك إلى المعاني الرقيقة.

وفاة الشيخ إحسان هندرك:

ولما رجعت إلى الفندق استلمت رسالة من صاحبنا سليمان القاضي المقيم في باتلي، إنكلترا بوفاة فضيلة الشيخ العلامة إحسان هندرك الندوي، إنا لله وإنا إليه راجعون، أبكى الحادث الفاجع العيون وأوجع القلوب، وقد لقيناه خلال زيارتنا لإفريقيا الجنوبية سنة 2012م واستضافنا في بيته في كيب تاؤن، وصادفت منه محبة لي كبيرة، وبلغني أنه دائم الذكر لي والثناء علي، وهو رئيس مجلس القضاء الإسلامي، ولد سنة 1964م، وتخرج من دار العلوم لندوة العلماء، وكان معجبا بشيخنا أبي الحسن علي الندوي رحمه الله تعالى مكثرا من مطالعة كتبه، واتباع منهجه من الجمع والاعتدال في قيادة شعبه، وكان متواضعا منبسطا متوددا حتى إلى الصغار وعامة الناس، ومخالفا طريقة الغافلين الذين يوقنون بوفاتهم ومع ذلك يمشون مشية المتبخترين المختالين، وكان محببا لدى جميع الأوساط لصفاته الحميده ونصحه للناس وسعيه في الشؤون التعليمية والتربية والأعمال الخيرية، وكان بعيدا عن كثير من العلماء أن يلحقوا به وقد سار في نهج إلى المجد مصعد، وفريدا في حزمه وحزمه، غير مضيع لما نيط به من الأمانات وما وسد إليه من الأمور، فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين