نقد الخطاب الديني الموجه للأسرة (2)

إذا كانت الأسرة هي أساس المجتمع ولبنته الأولى، فإن العلاقة بين الزوجين هي أساس تكوين الأسرة، وعلى هذا كان ينبغي للخطاب الديني أن يعزز كل ما من شأنه أن يرسّخ ثقافة الانسجام بين الزوجين؛ لكن الملاحظ أن بعض هذا الخطاب جعل هذه العلاقة كأنها الحلقة الأضعف في سلسلة العلاقات الاجتماعية، وهذا في تقديري سبب مهم في تفكّك الأسر وانتشار حالات الطلاق، خاصة في الأسر المتديّنة.

يمكننا هنا أن نضرب مثالاً مما هو شائع ومكرر بكثرة؛ فبعض الوعّاظ يختار موضوع العلاقة الزوجية باعتباره محكاً لاختبار الزوج في مدى برّه لوالديه؛ حيث تشتبك في الكثير من علاقاتنا الأسرية قيمتان عظيمتان من قيم الإسلام؛ قيمة المودة والرحمة بين الزوجين، وقيمة برّ الوالدين، فيخلص الواعظ إلى الإطاحة المستعجلة بالقيمة الأولى لصالح القيمة الثانية دون تلكّؤ أو تردد.

إن الواعظ هنا -في كثير من الأحيان- لا يجد في نفسه الحاجة للبحث والمدارسة والمقارنة؛ إذ كيف تقارن الزوجة بالأم؟ هذا في نظره محسوم دينيّاً، كما أن العرف المحافظ يميل بشدّة إلى هذه النتيجة لما فيها من إظهار معنى الرجولة وعدم السماع لجهة الزوجة مهما كانت شكواها.

الأم في الحقيقة ليست معصومة من الظلم والخطأ، والزوجة مثلها في هذا الشأن، والإسلام لا يمكن أن ينحاز لهذه أو تلك، فالظلم محرّم على الجميع؛ الأب والأم والزوج والزوجة والابن والبنت، «يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا). والإسلام لا يمنح صكاً مسبقاً بالبراءة، بل كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون، وحاجة الأب أو الأم للاعتراف بالخطأ والتوبة لا تختلف عن حاجة الآخرين.

كنت أحاول الإصلاح مع بعض الناس للحيلولة دون الوصول إلى الطلاق، وقد رأيت من الزوج حبّاً شديداً لزوجته وثقة كبيرة بها وبأخلاقها ومواقفها؛ لكنه يهمّ بطلاقها إرضاء لأمّه، فقلت له: إنك بهذا التصرّف تظلم نفسك، وتظلم زوجتك، وتظلم أمّك أيضاً. قال: فهمت الأولى والثانية ولم أفهم الثالثة، فقلت له: إن أمك ستتحمّل إثماً كبيراً وأنت ستعينها على هذا الإثم من حيث تريد برّها.

لقد أوحى بعض الوعّاظ إلى الآباء والأمهات أنهم في حِلّ تجاه زوجات أبنائهم، وأن الزوج عليه أن يسمع لهم ولو كان في كلامهم الغيبة والنميمة والظلم والبهتان.

ربما يكون الدافع لهذا النوع من الوعظ شيوع حالة العقوق وإهمال مقام الوالدين، حتى صار من المعتاد عند بعض الناس أن يكل أمر أبيه أو أمه إلى الخدم، أو إلى دور العجزة، وقد يكون هذا إرضاء لرغبة زوجته أو أمّ زوجته! لكن الإسلام لا يتعامل بمزاجيّة ردّات الفعل، ولا ينظر من نافذة ويغلق النافذة الأخرى.

إن عقوق الوالدين في المجتمعات غير المتديّنة لا ينبغي أن يقابله ظلم الزوجات في المجتمعات المتدينة.

إن العقوق حالة خطيرة يجب أن تعالج بمنهج علمي مدروس، وليس بمزاجية طائشة، وأفضل طرق العلاج تقديم النموذج المقنع الذي يحفظ حقوق الآباء والأمهات كما يحفظ حقوق الزوجات والأبناء والبنات، ويقيم ميزان الحق والعدل بين الناس كل الناس مع ترسيخ قيم المودة والرحمة والحب والاحترام، وليس بمقابلة الخطأ بالخطأ، ومعالجة الظلم بالظلم.. 

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين