نقد مقال : الناس على دين دساتيرهم ـ 2 ـ

مروان القادري


نشر موقع الجزيرة نت هذا اليوم الثلاثاء 30/3/2010 مقالة للأستاذ محمد المختار الشنقيطي بعنوان (الناس على دين دساتيرهم) http://www.aljazeera.net/NR/exeres/FF584146-43C8-4A36-B5B1-02CD204879D2.htm، دعا فيها إلى جواز تولي غير المسلم لرئاسة الدولة المسلمة، وفي مقالته الكثير من المغالطات العلمية والتاريخية وخرق الإجماع في عدم جواز تولي غير المسلم لمنصب الخلافة أو الولاية العامة لأنه منصب ديني، مهمته حفظ الدين وصلاح الدنيا به، أي بالدين.


وقد اطلع على ذلك المقال الأستاذ الشيخ مروان القادري حفظه الله تعالى، فكتب التعقيب التالي:


الحمد لله وحده :
أولا أريد أن أسجل ملاحظة منهجية ليس على الأخ الكاتب فحسب وانما  على ظاهرة اثارة مثل هذه الموضوعات  النظرية في السنوات الأخيرة  ، وهي  طرح مسائل لاتمت  بأي صلة الى الواقع الاسلامي اليوم  والانشغال بها عن القضايا العملية الراهنة ( ختان الاناث ، امامة المرأة في الصلاة للرجال ، ولاية المرأة للامامة العامة ، ولاية غير المسلم لرئاسة الدولة الاسلامية  ....    الخ)ومن ثم الانشغال بها تحقيقا وبحثا  وتدافعا ... والسؤال هو   لو حسم الجدل  بجواز ولاية المرأة و ولاية غير المسلم لرئاسة الدولة المسلمة  فما هي الثمرة العملية  في الحياة السياسية في الدول الاسلامية ؟  هل ينقص هذه الدول لتحكم بشريعة الله  اعطاء الجواب على هذه المسائل وأمثالها ؟ ان الاستجابة  للانشغال بهذه المسائل يعتبر استجابة للضغوط العلمانية في الداخل والخارج ، والقصد هو احراجنا واشغالنا  بما ليس من ورائه أي فائدة في تصحيح الأوضاع  المهترئة ، أو تقديم التنازلات  حتى يرضوا   ولن يرضى هؤلاء حتى تتبع ملتهم  .


  انه الاستدراج الى العمل في ساحات عبثية  يضحكون علينا وهم ينظرون الى اهتمامنا بها والاختلاف فيها .    هي كذلك سواء قصدوا أم لم يقصدوا .


والأجدى فيما أزعم التركيز على  سوءات الأنظمة والتيارات الفكرية والسياسية  المنحرفة  واجتراح وسائل وآليات تفعيل طاقات الأمة للتغيير، مع بيان  محاسن الشريعة وتطبيقاتها وتطوير آلياتها  بما يتناسب مع التطور البشري   ببحوث جادة مؤسسية انطلاقا من نظرة اسلامية واعية لدينها وعصرها  لاتخضع لضغوط علمانية  داخلية وخارجية ،  ولا اسلامية مغالية .


ولولاالاتهام بالتملص لما كتبت ،  هذا أولا ، وثانيا  الضرورة تقتضي أحيانا الرد  لدحض الشبهات التي قد يستجيب لها ويتأثر بها  بعض الناس وهذه منها . ومن ثم أقول:


ان حملة الأخ الكاتب على  الامبراطورية الاسلامية  تحتاج الى شيء من التواضع المعرفي والتاريخي فلا يصلح ابن القرن الواحد و العشرين للحكم على أناس  عاشوا وحكموا قبله بقرون وهو لم يعش  تلك الملابسات المحلية والدولية في تلك المرحلة .


ثم ان  الامبراطورية الاسلامية اياها  حققت انجازات  اسلامية حضارية  مهمة ، وأمة من العبيد كما وصفها الكاتب لايمكنها أن تحقق تلك الانجازات  ، انظر الى مجتمعات عبيد اليوم من الكبار والصغار في عالمنا الاسلامي ماذا ينجزون وماذا يفعلون  ، فرحماك ربي .


ثم من قال ان الدولة الاسلامية  قد أسست على قانون الفتح .... فهذا غير مسلم أبدا  ، ان الدولة الاسلامية أسست على أساس مبادئ الاسلام في الحكم التي وردت أصول الحكم فيها بالكتاب والسنة  واجتهاد الأئمة ،  رغم وجود بعض أو كثير من التجاوزات الصغيرة والكبيرة ،  فقد نظمت الشريعة علاقة الحاكم بالمحكوم في الحقوق والواجبات  وكذلك العلاقة بغير المسلمين   في الداخل والخارج في السلم والحرب .......... ولا يشترط لتكون مقبولة أن تطابق النظم المعاصرة في الحكم  ، فلكل أمة عقيدتها وفلسفتها في الحكم  والغرب ليس هو مرجعية الحكم الصالح . مع الأخذ بالاعتبار التطور في النظريات السياسية في تاريخ الأمم .


 أما حركة الفتوح  فقد  نشرت الاسلام وقيم التوحيد والعدل ، وهذه هي الرسالة التي وصلت من ربعي بن عامر وغيره الى رستم قبل معركة القادسية لما سأله ماالذي جاء بكم قال له : ان الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان الى عدل الاسلام أرسل رسوله بدينه الى خلقه فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى ناجزناه حتى نفضي الى الجنة أو الظفر ) وانتصر بعدها المسلمون في القادسية  ودخل العراق و ايران في منظومة الاسلام الى اليوم .  ولئن كان  هذا الفقه في تلك المرحلة متأثرا   بظروفه المحلية والدولية وقوة المسلمين  وضعفهم  فلا يجوز اتهام تلك الدولة الاسلامية  أنها (تأسست على قانون الفتح وأخوة العقيدة (أو العرق) لا على المساواة بين مواطنين أحرار، كما هو الحال في الديمقراطيات المعاصرة.) كما ذكر الكاتب ، فهو تحكم بغير دليل ، بل ويصادم النص والواقع التاريخي .


أما قصة المساواة بين المواطنين الأحرار في الديموقراطيات المعاصرة فصحيح ان المواطنة فيها  محترمة ومصانة بالدستور والقانون  الاأن النزوع الاستعماري والاستعلائي على الدخلاء الأجانب والملونين من مواطني تلك الدول ، وتنامي العنصرية ضدهم  هو واقع أيضا ، وقصة  القوانين  المتعلقة بالحجاب  والنقاب   وبناء المآذن  والمساجد تتفاعل هذه الأيام ، وكذلك التمييز ضد المسلمين في التوظيف  والمناصب السياسية قد طفا على السطح ،  وأما المد الاستعماري المتوحش  قديما وحديثا فالذي يقوم به هؤلاء الديموقراطيون حكاما وشعوبا لنشر العدل والمساواة وحقوق الانسان ، انهم لايستحون .


ان نظرة الكاتب المثالية هي عبارة عن مجرد رأي مثالي  يتجاهل واقع التباين والصراع بين أصحاب الأديان قديما وحديثا .
 ولاية غير المسلم رئاسة الدولة :


 هل يقبل  الأمريكان والفرنسيون  والانجليز والطليان والروس والصينيون واليابانيون  والصربيون والأستراليون  ..... الخ  رئيسا أو ملكا مسلما  ؟   واذا كان الجواب  بالنفي  فهذا الشيء المنطقي  والمعقول  والطبيعي ، والقبول هو الشيء الشاذ الذي لاحكم له ، ام أنها دول قائمة على حكم الامبراطوريات القديمة ،
واذن لماذا يقع الاستهجان والهجوم على  مبدأ عدم جواز ولاية غير المسلم لرئاسة الدولة الاسلامية ؟


واذا كانت تلك دولا علمانية لادخل للدين فيها بالحكم ، لاترضى أن يحكمها مسلم ، فكيف نرضى في دولة مسلمة دينية مرجعيتها الدين الاسلامي  وتطبق أحكامه بآليات مدنية أن يكون رئيسها غير مسلم  ؟  فلنكن واقعيين غير مثاليين  .


قال الكاتب  : ( تشترط العديد من دساتير الدول العربية أن يكون رأس الدولة مسلما. وهو أمر يثير إشكالا حول المساواة السياسية بين المواطنين، والأهم من ذلك أنه يجعل أساس العقد الاجتماعي التي تتأسس عليه الدولة العربية المعاصرة ملتبسا. وقد تتبعت جذور هذا الرأي في التراث السياسي الإسلامي، فوجدت أنه رأي فقهي مبني على مصلحة حقيقية في عصر الامبراطوريات، حينما كان الناس على دين ملوكهم، لكنه ليس مبنيا على نص من الوحي الإسلامي. والآية التي كثيرا ما يستشهد بها القائلون بهذا الرأي استشهادا متعسفا: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" (سورة النساء، الآية 141) لا صلة لها بالموضوع، إذ هي تنتمي إلى الخطاب القدَري لا إلى الخطاب الشرعي.  ) وقال : (ولم يعد من الخطر على الإسلام أن يكون رأس الدولة غير مسلم، لأن علاقة الدولة بالدين يحددها الدستور، لا عقيدة الرئيس أو ذوقه الشخصي. والناس اليوم على دين دساتيرهم لا على دين ملوكهم.)


والسؤال  من قال بهذا الرأي من أئمة الاجتهاد مع أن هذه المسألة لها حساسيتها العالية  قديما وحديثا ، أم أن هؤلاء قالوا بالمنع بمجرد الرأي  كما زعم الكاتب وليس استنادا الى فهم  دلالات النصوص  ومقاصدها ؟ انها جرأة تحتاج الى شيء من التواضع المعرفي ، ودعواه قائمة على مجرد الرأي  وحكمه تحكمي لايستند الى دليل ، ويكفي أن الاتفاق منعقد شرعا و تاريخا على عدم جواز ولاية الكافرين على المؤمنين في الولاية العامة بخاصة ،  ولاتجتمع أمة محمد على ضلالة . واذا كان الفقهاء بنوا حكمهم على الرأي المجرد فنأمل من الكاتب  أن يبين للمسلمين خطأهم  بعرض مايفهمه من النصوص  التالية التي تبين  صفة الحاكم للمسلمين  واشتراط تطبيقه لأحكام الشريعة  والرجوع الى الله والرسول عند التنازع ، ولا أدري كيف ينسجم هذا الوضع مع دولة اسلامية رئيسها غير مسلم ، مع علمنا بماذكره الله ورسوله عن غير المسلمين في مواقفهم من الاسلام وأهله : وهي نصوص  تتعلق بأمور عملية شرعية وليست قدرية كما ذكر الشيخ  :


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء
الاستعانة بالكفار


قال الله تعالى :{يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ آمَنوُا لاَ تَتَّخِذُوا بِطاَنةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يأْلوُنَكُمْ خَباَلاً ، وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْواَهِهِمْ وَماَ تُخْفِي صُدُورهم أكْبَر قَدْ بَيّنَّا لَكُمُ الآيات إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون ، هاَ أنْتُمْ أولاءِ تُحِبُّونهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكمْ وتُؤْمِنونَ بالكتابِ كلهِ ، وإذا لقوكم قالوا آمنا ، وإذا خلَوا عَضوُّا عليكمُ الأناملَ قلْ موتوا بغيظِكمْ إن الله عليم بذات الصدور ، إن تَمسسكمْ حسنةٌ تَسؤْهُم وإن تُصبْكم سيئةٌ يفرحوا بها، وإن تصبروا وتتقوا لا يضرُّكم كيدُهم شيئاً إن الله بما يَعملون محيط}آل عمران (120)


قال القرطبي في تفسيره: 4/178 ، 179 : خبالاً : فسادًا . لا يألونكم خبالا : يعني لا يتركون الجهد في فسادكم.


-       قدِم أبو موسى الأشعري على عمر رضي الله عنهما بحساب يرفعه إلى عمر فأعجبه، وجاء عمرَ كتاب فقال لأبي موسى : أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس؟ فقال : إنه لا يدخل المسجد فقال : لِمَ ! أَجُنُبٌ هو ؟ قال : إنه نصراني فانتهره وقال : لا تُدنِهِمْ وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله ، ولا تأمنهم وقد خونهم الله .
 وعن عمر رضي الله عنه قال : لا تستعملوا أهل الكتاب فإنهم يستحلون الرِّشا واستعينوا على أموركم وعلى رعيتكم بالذين يخشون الله تعالى .


 وقيل لعمر رضي الله عنه : إن ههنا رجلاً من نصارى الحيرة لا أحد أَكتَبَ منه ولا أخَطَّ بقلم أفلا يكتب عنك ؟ فقال : لا آخذ بطانة من دون المؤمنين .


-       قال القرطبي (مالكي): فلا يجوز استكتاب أهل الذمة ولا غيرُ ذلك من تصرفاتهم في البيع والشراء والاستنابة إليهم .
-       وقال الجصاص (حنفي) 2/37 : وفي هذه الآية دلالة على أنه لا تجوز الاستعانة بأهل الذمة في أمور المسلمين من العمالات والكتبة ، وقال فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتخذوا أهل الكفر بطانة من دون المؤمنين وأن يستعينوا بهم في خواص أمورهم.
-       وذكر ابن الجوزي في زاد المسير قول القاضي أبي يعلى (حنبلي) قال أبو يعلى : وفي هذه الآية دلالة على أنه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في أمور المسلمين من العمالات والكتبة. ولهذا قال أحمد : لا يستعين الإمام بأهل الذمة على قتال أهل الحرب . 1/447


-       وقال ابن كثير في التفسير (شافعي) : ففي هذا الأثر (الكاتب من الحيرة ) مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين وإطلاع على دواخل أمورهم التي يخُشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب.


أنظر ابن العربي 1/267 و 2/643 وراجع المنار 4/0082 و 138
قلت وهذا كله لا يتعارض مع توجيه الإسلام للتعامل مع أهل الذمة بالبر والقسط في العلاقات اليومية .


-       قال الله تعالى : {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم وما يتولهم فأولئك هم الظالمون}


فاذا كان الأمر كذلك في التحفظ  على استعمالهم  في هذه الأمور مادام البديل المسلم موجودا  فما هي نظرة هؤلاء العلماء  الى القول بجواز رئاسة غير المسلمين لرئاسة الدولة الاسلامية  ؟
قال صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله .) (حم ت ك) عن أم الحصين.


ان الشعب المسلم الذي ينتخب لرئاسة الدولة غير مسلم  هو شعب بعيد جدا عن الوعي الاسلامي  ولايهمه اقامة حكم الله  ، كحال كثير من مسلمي اليوم الذين يوالون أعداء الله ورسوله والمؤمنين ،  فبدلا من تصحيح المفاهيم  لدى الجاهلين أو الغافلين  نريد ترسيخ مفاهيم تزيد الطين بلة  وتميع مسألة اقامة حكم الله في المسلمين ، ان هذا ليس اجتهادا  عصريا وانما خضوع لأجواء ضغوط العولمة الثقافية  التي يقودها الغرب وأتباعه . والله يقول محذرا  :


{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73)  وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74)  إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} (75) سورة الإسراء  


عنون الامام مسلم  فقال : كتاب الامارة    باب وجوب طاعة الأمراء
حدثنا ‏ ‏أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمي ‏ ‏عبد الله بن وهب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن الحارث ‏ ‏حدثني ‏ ‏بكير ‏ ‏عن ‏ ‏بسر بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏جنادة بن أبي أمية ‏ ‏قال ‏


‏دخلنا على ‏ ‏عبادة بن الصامت ‏ ‏وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال دعانا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فبايعناه ‏ ‏فكان فيما أخذ علينا أن ‏ ‏بايعنا ‏ ‏على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا ‏ ‏وأثرة ‏ ‏علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا أن تروا كفرا ‏ ‏بواحا ‏ ‏عندكم من الله فيه ‏ ‏برهان ‏
قال  النووي  :


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) ‏
‏هكذا هو لمعظم الرواة وفي معظم النسخ ( بواحا ) بالواو , وفي بعضها ( براحا ) والباء مفتوحة فيهما , ومعناهما : كفرا ظاهرا , والمراد بالكفر هنا المعاصي , ومعنى عندكم من الله فيه برهان :

أي : تعلمونه من دين الله تعالى . ‏
‏ومعنى الحديث : لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم , ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام , فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم , وقولوا بالحق حيث ما كنتم , وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين , وإن كانوا فسقة ظالمين . ‏


‏وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته , وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق , وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل , وحكي عن المعتزلة أيضا , فغلط من قائله , مخالف للإجماع . ‏


‏قال العلماء : وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن , وإراقة الدماء , وفساد ذات البين , فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه . ‏
‏قال القاضي عياض : أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر , وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل , قال : وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها , قال : وكذلك عند جمهورهم البدعة , قال : وقال بعض البصريين : تنعقد له , وتستدام له لأنه متأول , قال القاضي : فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية , وسقطت طاعته , ووجب على المسلمين القيام عليه , وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك , فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر , ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه , فإن تحققوا العجز لم يجب القيام , وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها , ويفر بدينه , قال : ولا تنعقد لفاسق ابتداء , فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم : يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب , وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين : لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق , ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك , بل يجب وعظه وتخويفه ; للأحاديث الواردة في ذلك قال القاضي : وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع , وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية , وبقيام جماعة عظمية من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث , وتأول هذا القائل قوله : ألا ننازع الأمر أهله في أئمة العدل , وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق , بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر , قال القاضي : وقيل : إن هذا الخلاف كان أولا ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم . والله أعلم . ‏


‏ ‏و حدثنا ‏ ‏سعيد بن منصور ‏ ‏وقتيبة بن سعيد ‏ ‏كلاهما ‏ ‏عن ‏ ‏يعقوب ‏ ‏قال ‏ ‏سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبي حازم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح السمان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ‏ ‏ومنشطك ‏ ‏ومكرهك ‏ ‏وأثرة ‏ ‏عليك


‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن إدريس ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن سعيد ‏ ‏وعبيد الله بن عمر ‏ ‏عن ‏ ‏عبادة بن الوليد بن عبادة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏جده ‏ ‏قال :‏ بايعنا ‏ ‏رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على السمع والطاعة في العسر واليسر ‏ ‏والمنشط ‏ ‏والمكره وعلى ‏ ‏أثرة ‏ ‏علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ‏صحيح مسلم بشرح النووي
قوله : ( بايعنا على السمع ) ‏


‏المراد بالمبايعة : المعاهدة , وهي مأخوذة من البيع ; لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه , وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكف , وقيل : سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله تعالى عظيم الجزاء , قال الله تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ... } الآية . ‏
قوله : ( وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) ‏
‏معناه : نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان , الكبار والصغار , لا نداهن فيه أحدا , ولا نخافه هو , ولا نلتفت إلى الأئمة , ففيه : القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ‏
‏وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره , سقط الإنكار بيده ولسانه , ووجبت كراهته بقلبه , هذا مذهبنا ومذهب الجماهير , وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقا في هذه الحالة وغيرها , وقد سبق في باب الأمر بالمعروف في كتاب الإيمان وبسطته بسطا شافيا .  


وعن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم ؟ قال لا ما صلوا لا ما صلوا. رواه مسلم .  اذن الصلاة ( على الأقل ) مانعة من قتالهم  فهل هذا نص قدري أم شرعي ؟  


قال في تحفة الأحوذي : ‏( ما صلوا ) ‏إنما منع عن مقاتلتهم ما داموا يقيمون الصلاة التي هي عنوان الإسلام حذرا من هيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك مما يكون أشد نكاية من احتمال نكرهم والمصابرة على ما ينكرون منهم  .


وقال في عون المعبود : ‏أي ما داموا يصلون .
وفي صحيح مسلم بشرح النووي :  ‏قال النووي :
هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة بالإخبار بالمستقبل , ووقع ذلك كما أخبر صلى الله عليه وسلم ‏


‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن عرف فقد برئ ) وفي الرواية التي بعدها : ( فمن كره فقد برئ ) فأما رواية من روى ( فمن كره فقد برئ ) فظاهرة , ومعناه : من كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته , وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه فليكرهه بقلبه , وليبرأ . ‏وأما من روى ( فمن عرف فقد برئ ) فمعناه - والله أعلم - فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه ; فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيديه أو بلسانه , فإن عجز فليكرهه بقلبه . ‏


‏وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ولكن من رضي وتابع ) معناه : لكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع . ‏
‏وفيه : دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت . بل إنما يأثم بالرضى به , أو بألا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه . ‏
‏وأما قوله : ( أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا , ما صلوا ) ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام . ‏


وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة (أعاذك الله من إمارة السفهاء قال وما إمارة السفهاء قال أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي ) رواه أحمد واللفظ له والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح  ورواه ابن حبان في صحيحه إلا أنه قال  ( ‌‌صحيح لغيره )   
ان أجواء هذه النصوص ودلالاتها  لاتسمح بالقول بجواز رئاسة غير المسلمين لرئاسة الدولة الاسلامية  فهذا منطق يخالف دلالات النصوص وما تواضعت عليه أمة محمد من السلف الى الخلف  فضلا عن ذلك مخالف لمنطق العقل والواقع البشري  وتقسيمات ولاءاته التي فرضت نفسها قديما وحديثا على التشكيلات السياسية  ولاينجو منها مجتمع بشري  ولو كان من أعرق المنادين بالد يموقراطية  وحقوق الانسان  فلنكن واقعيين غير مثاليين  . والله أعلم


أخوكم أبو أنس القادري

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين