جريمة تجريم الثورة

إذا وقعت البقرة تكاثرت عليها السكاكين. اليوم نطقت ألسنةٌ طالَ صمتُها، نطقت لتجرّم ثورتنا وتحمّل ثوارنا الأوائل مسؤوليةَ ما لحق بسوريا من دمار وما سُفك فيها من دماء. 

ما أولئك اللائمون من النبلاء الكرام، بل هم أنذال لئام، فإن أسوأ الناس قاطبةً مَن لامَ الضحية وسكت عن الجلاد.

* * *

إن من حقنا، بل من واجبنا، أن نحاكم المجرمين -من الغلاة والفاسدين والانتهازيين- الذين أنهكوا الثورة وفتكوا بها. 

ومن حقنا، بل من واجبنا، أن ننتقد الأداء الفاشل والأدوات الفاسدة التي أوصلت ثورتنا لهذه النهاية الحزينة.

ومن حقنا، بل من واجبنا، أن ندرس ثورتنا لنعرف صوابَها ونعرف خطأها، لنستخرج منها الدروس والعِبَر، عسى أن نستفيد منها فيما بقي من ثورة اليوم الحاضر أو يستفيد منها جيلٌ آتٍ سيفجّر ثورة جديدة ذات يوم.

كل أولئك باب مشروعٌ للنقد والحساب، أما الثورة وطلائع الثوار فلا يجرّمها ويجرّمهم إلا مجرم معدوم الضمير. ومتى كان حب الحرية جريمة؟

كيف يكون السعي للخلاص من الطغيان والاستعباد والاستبداد جريمة؟ 

إن الجريمة هي السكوت عن الظلم، الجريمة هي الرضا بالهوان، الجريمة هي التصالح مع القتلة، الجريمة هي تسويغ الحياة مع المجرمين.

الجريمة الحقيقية هي لومُ الضحية بلسان سليط وبَلْعُه في حضرة السفّاح.

* * *

لا، ما كانت الثورة قط خطأ يستحق اللوم والدَّين والتجريم، ولا كان الشرفاء الذين حملوا مشعل الثورة أول مرة وطافوا به في شوارع الرعب واليأس مخطئين، بل كانت الثورة دائماً وستبقى أبداً حقاً مشروعاً للمظلومين والمعذَّبين في الأرض، لأسرى العبودية وضحايا الاستبداد.

إن الثورة سماء ترتفع فوق أرض الألم والقهر والظلم والعذاب، وثوارنا الأوائل هم النجوم التي ترصّع تلك السماء وتُشِعّ فيها شُعاعات الأمل والضياء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين