المراقبة

هذه خطبة خطبتها قديماً في مسجد الرضا بجدة وقد قام الأخ العزيز طارق عبد الحميد قباوة بإحيائها وكتابتها لتنشر على الموقع فأرجو الله أن يعمم النفع بها ويجعلنا أهلاً لحمل أمانة العلم

الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه... الحديث.

عن عُبادة رضي الله عنه : (إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك)، وعن أبي أمامة رضي الله عنه: (ثلاثة في ظل الله: رجل حيث توجه علم أن الله معه، ورجل دعته امرأة إلى نفسها، ورجل أحبَّ لجلال الله).

[إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] {النساء:1}.[أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى] {العلق:14}. [وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ] {يونس:61} .

تلميذ شاب، وكان يكرمه أستاذه ويقدمه، فقال بعض أصحابه: كيف تكرم هذا وهو شاب ونحن شيوخ؟ فدعا بعدة طيور، وناول كل واحد منهم طائراً وسكيناً، وقال: ليذبح كل واحد منكم طائره في موضع لا يراه أحد... فرجع كل واحد بطائره مذبوحاً، ورجع الشاب والطائر حيٌّ في يده، فقال: مالك لم تذبح كما ذبح أصحابك، فقال: لم أجد موضعاً لا يراني فيه أحد، إذ الله مطلع عليَّ في كل مكان.

راود رجل جارية عن نفسها، فقالت له:ألا تستحي ؟ فقال: وممن أستحي، لا يرانا إلا الكواكب، فقالت: فأين مكوكبها؟

قال رجل للجنيد: بم أستعين على غضِّ البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه.

وسئل المحاسبي عن المراقبة ؟ فقال: أولها علم القلب بقرب الرب.

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل=خلوت ولكن قل عليَّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفلُ ساعة=ولا أن ما تخفي عليه يغيب

ألم تر أنَّ اليوم أسرعُ ذاهب=وإن غداً للناظرين قريب

وقال رجل لصالح: عظني. فقال: لئن كنت إذا عصيتَ الله خالياً ظننت أنه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك فقد كفرت.

وقال فرقد: إن المنافق ينظر، فإذا لم ير أحداً دخل مدخل السوء، وإنما يراقب الناس ولا يراقب الله تعالى.

قال وهب بن الورد: خف الله على قدر قدرته عليك واستحيي منه على قدر قربه منك. واتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك.[يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا] {النساء:108}.

وقال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فعرسنا بعض الطريق، فانحدر علينا راع من الجبل، فقال له: يا راعي بعني شاة من هذه الغنم؟ فقال: إني مملوك. فقال: قل لسيدك: أكلها الذئب؟ قال: فأين الله؟ قال: فبكى عمر، ثم غدا إلى المملوك، فاشتراه من مولاه وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة.

حقيقة المراقبة:

مراعاة القلب للرقيب، واشتغاله بنه، والتفاته إليه.

مراقبة التعظيم والإجلال، فإن بصير القلب مستغرقاً بملاحظة الجلال، ومنكسراً تحت الهيبة، فلا يلتفت إلى الغير... تتعطل الجوارح عن الالتفات للمباحات فضلاً عن المحظورات:«مراقبة الصديقين المقرين».

مرتبة الورعين من أصحاب اليمين: مراقبة حياء...

مراقبة الله في جميع حركاته وسكناته ولحظاته وخطراته...

قبل العمل، وبعد العمل: قبل العمل: أهو لله أو هو في هوى النفس، ومتابعة الشيطان؟ فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغير الله استحيا من الله، وانكفَّ عنه، ثم لامَ نَفْسَه...

عند الشروع في العمل: بحسن النية، ومراعاة الأدب.

إن كان قاعداً، يستقبل القبلة.

إن كان نائماً، ينام على يده اليمنى مستقبل القبلة...

إن كان يريد قضاء الحاجة فمراعاته لآدابها...

والعبد لا يخلو إما أن يكون في طاعة، أو في معصية، أو في مباح:

فمراقبته في الطاعة بالإخلاص، وكمال الأدب، وحراستها عن الآفات. وإن كان في معصية فمراقبته بالتوبة والندم والإقلاع والحياء.

وإن كان مباح فمراقبته بمراعاة الأدب وشهود المنعم.

نشرت 2010 وأعيد تنسيقها ونشرها 24/2/2020

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين