الأجر على قدر المشقة 

قاعدة الشرع أن التكاليف كلما كان شاقة على النفس ، شديدة عليها = كان الثواب المترتب عليها أكثر ، والأجر أعظم .

ويدل لهذا المعنى 

قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة :

"إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك " . [أخرجه الحاكم والدار قطني وأصله في الصحيحين ].

قال النووي: " هذا ظاهر في أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة" .

وعليه :

فمن جاهد نفسه على فعل الطاعات وألجمها عن مواقعة المحرمات وهو شاب ، شهوته متوقدة ، ونفسه متوثبة ، والدنيا مقبلة عليه ،

ليس كمن جاهدها بعدما ولت أيامه ، وتصرمت أعوامه ،وآذنت شمس عمره بالغروب .

ومن عبد الله في أزمان الفتن ، وإقبال الناس على الدنيا ، ليس كمن عبدالله في أيام الخير ، وكثرة الصالحين .

وعلى هذا المعنى يتنزل الحديث المشهور 

" فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ ". قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : " أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ". [أخرجه أبوداود والترمذي وفيه مقال ]

وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: 

: " إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ " .[أخرجه أحمد] .

وانظر كيف شدد الشرع على من فعل الحرام مع ضعف الداعي له كما في حديث

أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ : وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ". [رواه مسلم].

فإن الشيخ لا حاجة له إلى الزنا ، والملك لا حاجة له إلى الكذب ، ومقتضى حال العائل الفقير الاستكانة والذل ، فكيف يكون متكبرا !!

وانظر كيف رفع الله سبحانه السبعة إلى ظله وجنابه مع قوة دواعيهم للحرام وتركهم له . كما في الحديث المشهور عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ".[متفق عليه] .

فإن الملك داعية الظلم والطغيان ، فإذا حصل العدل مع هذا = دل على قوة الإيمان

والشباب داعية اللهو واللعب، فإذا نشأ في طأعة الله = دل على قوة إيمانه .

وهكذا ......

فلا تنتظر ، واعمل في أيام شبابك ،فإنما العمل في أيام الشباب .

مضى أمسك الماضي شهيدا عليك معدلا 

وأعقبه يوم عليك جديد 

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة

فبادر بإحسان وأنت حميد

ولا تبق فعل الصالحات إلى غد 

لعل غدا يأتي وأنت فقيد .

على أنه ينبغي التنبيه على أن هذه القاعدة أغلبية وليست مطردة ،

ويدل لذلك الأحاديث الواردة في فضل الذكر، وفضل كلمة الشهادة .

قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " تحت حديث "ذهب أهل الدثور بالأجور ...."

: " واستشكل تساوي فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال مع شدة المشقة فيه، وأجاب الكرماني بأنه لا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حالة، واستدل لذلك بفضل كلمة الشهادة مع سهولتها على كثير من العبادات الشاقة" .

وذكر من فوائده : " وفيه أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق" .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين