دعوة للاستفادة من الحمام الزاجل

يرى أهل الإدمان على برنامج الواتساب أنه من الواجب الاجتماعي، ومن صلة الرحم أن تغرق جوالات أصدقائك وأقربائك أسبوعيا بل يوميا برسائل الصباح، والمساء، وصور الأطفال الذي يبتسمون ويهدونك أجمل باقات الورد وأفخر أنواع العطور، أما إن كان هؤلاء الأطفال أصحاب ثقافة عالية فإنهم يهدونك بعض العبارات والفوائد التي يظنونها نادرة.

بينما يرى فريق آخر أن هذه الصباحيات والمسائيات من الرسائل هي انتهاك لخصوصيات الآخرين، وإشغال لهم بما لا يفيد، لذلك فهم لا يقرؤونها بل ويسارعون إلى حذفها من جوالهم خشية أن يقف جوال الشيخ في العقبة، لذلك يتمنى أصحاب هذا الفريق أن يعود بهم الزمن إلى الوراء عقودا من الزمن عندما كانت تكلف الرسالة الواحدة كلفة باهظة الثمن ابتداء من جهد كاتبها وإبداع بنيات أفكاره، ومرورا بالطاقة التي يبذلها الحمام الزاجل في قطع الفيافي، وانتهاء بساعي البريد الذي لا يكل ولا يمل، ويعمل في الحر وفي القر، ويطرق بابك مبشراً بوصول رسالة طال انتظارها، من حبيب قطَّع شوقنا إليه نياط القلوب، عندها تصبح للرسائل قيمتها، وللتواصل أهميته.

والفريق الثالث قد يبدو متشائما بعض الشيء فإنه يقول رويدكم.. فلا تضجروا ولا تتذمروا .. فسوف يمر عليكم زمان تترحمون فيه على إزعاج الواتساب ورسائله، فما الوتس في نظر هؤلاء إلا تطور عن الإيميل الالكتروني. وسيبتكر العلم الحديث طرقا لا تخطر لكم على بال في التسلل إلى أفكار المرء وخواطره، وانتزاع أنس لحظاته، وطيب أوقات صفائه، فسوف تترحمون على النبّاش الأول في يوم من قادم أيامكم.

آن لنا بعد أن أسهبنا في المقال، وأطلنا في استقراء الحال أن نقف لحظة لحساب وقت (قطف الورود، وإرسالها للمحبين، ورميها بعد أن تذبل في سلة المحذوفات) :

* فإذا كان المرء كثير الأحباب فإنه على الأقل سيستغرق نصف ساعة يوميا في قطف الورود أو إرسالها، أو رميها، وعلى هذا فإنه سيستغرق 3 ساعات ونصف أسبوعيا ، و14 ساعة شهريا، و 168 ساعة سنويا، مما يكفيه لقراءة كتاب، أو عمل في مشروع نافع، أو تقديم أي خدمة للإنسانية.

إنه يتحتم علينا أن نكون أكثر ذكاء ممن يستهدفوننا بهذه التقنية وما يخترعون من وسائل وابتكارات، فإن السيرفرات العابرة للقارات ترسل ملايين الرسائل في ثانية بل في جزء منها، وإن المغبون من يبيع وقته بثمن بخس. وأختم كلامي بحكمة قرأتها : إذا كنت لا تدفع ثمن السلعة فاعلم أنك أنت السلعة. وما أصدقها من حكمة فإن الشركات التجارية تدرس أدق التفاصيل عن سلوك المستخدم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين