هل هناك علاقة بين الآيات الكونية وذنوب العباد؟ 

قال الدكتور عبد الله بن ضيف الرحيلي :" المرجو أنْ لا يكرر الخطيب في خطبة الخسوف وخطبة الكسوف القول بأنّ هذا الخسوف والكسوف بسبب ذنوب بني آدم، جزاه الله خيراً؛ لأن هذا القول لم يدل عليه دليل من الكتاب والسنة إطلاقاً، ولأنّ هذا سنّة كونية من سنن الله تعالى؛ ولذلك العلماء المتخصصون يحددون وقت الخسوف والكسوف تحديداً دقيقاً قبل وقتهما بسنة أو أكثر، وتحديد متى يبدأ أحدهما ومتى ينتهي بالدقيقة.

ولو قلنا بأنّهما بسبب ذنوب بني آدم لوجب أن نقول أنّ حصولهما عذاب، وهذا لم يقل به مسلم ولا غير مسلم...

والكلام يطول، وقد فصّلتُ هذا في كتابي: "منهجية فقه السنة النبوية: قواعد ومنطلقات نظرية وأمثلة تطبيقية" في المنطلق الحادي والثلاثين.

وتبقى ظاهرتا الخسوف والكسوف آيتين من آيات الله التي يُخَوِّف الله بها عباده، وأنْ تُستثمر في التربية والوعظ دون أن نقول كلاماً نُعارض به سنن الله الكونية.

ومما ينبغي التذكير به: أن نقول: إنّ معرفة بعض أسرار هذه الظاهرة، وتحديد موعدها، لا يُقلل من شأن صلاة الخسوف والكسوف والدعاء، بل يجب الامتثال وإقامة أَمْر الله تعالى، كما أنّ الواجب العلم بأنّ التخويف بهذه الآيات الكونية باقٍ، لا يُبطله ما علِمناه من العلم، فقدرةُ الله وعظَمته توجب هذا الخوف وتوجب ذكْر الله تعالى، وشأن التخويف في هاتين الظاهرتين كشأنه في آية الليل والنهار، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى? يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَ?هٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ.قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى? يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَ?هٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).

اللهم فقّهنا والمسلمين في دِينك، وبصّرنا بآياتك المقروءة والمنظورة، والطف بنا وقِنَا عذابك في الدنيا وفي الآخرة.

وكتبه/ عبد الله بن ضيف الله الرحيلي

??- ??- ????

طالعت هذا المنشور الليلة، وأنا على سفر عبر البر، فقلت في نفسي:

ما أغنى الخطباء والمخطوبين عن هذا الرجاء أو هذه النصيحة المضطربة التي ينقض آخرُها أولها.

وكأنّ الكاتب وجد عند المسلمين مبالغة في التوبة عن الذنوب في هذه المناسبة إلى حد الإسراف الذي جفف مآقيهم وعطل مصالحهم، فأشفق عليهم من ذلك فأراد أن يطمئنهم أن ذنوبكم لا علاقة لها بالخسوف، فاربعوا على أنفسكم من هذه التوبة المجحفة.!!!

وإياكم أيها الخطباء والتحريض على الإقلاع عن الذنوب بمناسبة الخسوف، فلا دليل على الربط بين هذا وهاتيك في كتاب ولا سنة، كيف والعلماء المتخصصون يستطيعون تحديد وقت الكسوف والخسوف قبل حصولهما بعام أو أكثر!!!

كاتب هذا الكلام نفسه، وقبل ختام سطوره القليلة، يناقض نفسه وينسف الفكرة التي فرغ من تقريرها لحِينه فيقول:

*التخويف بهذه الآيات الكونية باقٍ، لا يُبطله ما علِمناه من العلم....*

يا سبحان الله!!

إذا كان التخويف باقيا فهل هو تخويف من ثمرات الطاعات أم تبعات من المعاصي؟!!

ثم ما هذا الزعم الجريء بأن لا دليل على الربط بين الآيات الكونية وبين ذنوب العباد في كتاب ولا سنّة؟!!

أليس قد قال الله تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ? فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ? وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَ?كِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

[سورة العنكبوت 40]

وقال تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ)

[سورة العنكبوت 37]

والآيات كثيرة صريحة في الربط بين ذنوب العباد وبين الجوائح الكونية التي تصيبهم.

أم أن الخسف والأعاصير والرجفة والحاصب ليست من الظواهر الكونية التي يعرف سرها العلماء المتخصصون؟!!

ثم أليس قد كان في موعظته صلى الله عليه وسلم بمناسبة الكسوف قوله: ...لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته؟

وقوله: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.

وهل التنفير من الزنا في هذه المناسبة خال من معنى الربط بينه وبينها؟!!

أليس قد ورد أن المدينة قد رجفت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن الله يستعتبكم فأعتبوه.

وورد أنها رجفت على عهد عمر رضي الله عنه فخطب الناس فقال: أحدثتم، والله لئن عادت لأفعلن ولأفعلن.

ثم إنه لا يُسَلَّم للكاتب هذا السبر والتقسيم في قوله:

*ولو قلنا بأنّهما بسبب ذنوب بني آدم لوجب أن نقول أنّ حصولهما عذاب، وهذا لم يقل به مسلم ولا غير مسلم*

إذ يمكن أن يقال: إنهما بسبب ذنوب بني آدم وإن حصولهما إنذار بالعذاب وتخويف به، وإن لم يكن الكسوف أو الخسوف عذابا بذاته.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين