دروس نحتاجها من كفاح جنوب أفريقيا

برغم عدالة قضية شعب جنوب أفريقيا في كفاحه ضد الفصل العنصري، لم يكن السود جميعهم متحدين ضد ظلم الرجل الأبيض ؛ بل كان منهم من يتعاون مع البيض في قمع بني جنسه ، وبعضهم يرى التمرد على هذا الوضع سيحرمهم الأمن ولقمة العيش، وبعضهم مؤمن بنظرية تفوّق الجنس الأبيض ؛ بل إن السود المكافحين ضد الفصل العنصري اختلفوا فيما بينهم لحد الاقتتال بالسلاح واعتزال بعضهم بعضا في السجون .

وبرغم عدالة القضية فقد كانت انجلترا أكبر داعم للكيان العنصري الذي زرعته في جنوب أفريقيا ، وتبعتها أوروبا وأمريكا في دعم الكيان العنصري.

بعد أن رست أول سفينة أوروبية هولندية عام 1652 على الساحل الجنوبي للبلاد بدأ استيطان الرجل الأبيض .

في منتصف القرن العشرين وصل عدد السكان البيض لحوالي 20% من مجموع السكان ولكنهم يسيطرون علي 87% من مجموع الأراضي.

أول نشاط سياسي منظم قاده السود ضد الفصل العنصري كان من خلال تأسيس حزب المؤتمر الوطني عام 1912 .

وظل هذا الحزب ينتهج السلمية في كفاحه في الوقت الذي تزداد فيه قسوة نظام الفصل العنصري .

بعد خمسين عاما من النضال السلمي ومع انسداد أي أفق للوصول لنتيجة بدأ "نيلسون مانديلا" الذي كان عضوا في حزب المؤتمر إلى طرح فكرة استخدام العنف ، وفي عام 1961 تم تكليف "مانديلا" برئاسة منظمة عسكرية منفصلة عن الحزب وتم تسميتها "رمح الأمة - MK".

وبحسب ما ورد في مذكرات مانديلا : فإنه تم تكليف المنظمة بتوجيه ضربات عنيفة ضد الدولة مع تحاشي الإضرار بالأفراد ، وعليه فقد قام بأعمال التخريب ضد المنشآت العسكرية ومحطات توليد الكهرباء وخطوط الهاتف وغيرها، بهدف عرقلة فاعلية الدولة العسكرية وجرها إلى المفاوضات.

عام 1962 تم إلقاء القبض على "مانديلا" وأودع السجن، واستمرت أعمال التخريب بدون انقطاع مع انخفاض وتيرتها بحكم الرد العنيف من سلطة الفصل العنصري .

عام 1976 حدثت انتفاضة كبيرة ، كشفت عن جيل ثوري جديد، بعضهم تم اعتقاله في جزيرة روبن مع "مانديلا".

يقول عنهم مانديلا : رأينا جيلا جديدا من الشباب الثوري لم يتقبلوا الظروف التي فرضها علينا السجانون وتمردوا عليها، وتجاهلوا دعوتنا للنظام؛ فقد كانوا يروننا معتدلين، ولم يكن ذلك مدعاة لي للسرور بعد سنوات طويلة من وصفي بالثورية والراديكالية.!

في الثماني سنوات بين عامي 1976-1984 وأثناء تواجد مانديلا في السجن تزايدت وتيرة المقاومة المسلحة والتمرد الشعبي مما أفقد السلطة العنصرية قدرتها على حفظ الأمن مما نشأ عنه الإضرار بالاستثمارات الغربية، فسحبت معظم الدول الغربية دعمها له، ومع نجاح حركة الحقوق المدنية في استعادة بعض حقوق السود في أمريكا تبدل موقفها الداعم للكيان العنصري، وبقيت بريطانيا وحيدة في دعمها للنظام حتى لحظاته الأخيرة .

هذا بالإضافة لوضع إقليمي داخل أفريقيا يموج بحركات التحرر من الاحتلال الأوروبي.

وتحت كل تلك العوامل الداخلية والدولية والإقليمية، أدرك النظام أنه لا مخرج إلا بالتنازل والتفاوض .

عام 1984 بدأت السلطة المفاوضات مع مانديلا على قاعدة قيامه بنبذ العنف .

فأرسل ردًا مكتوباً قرأته ابنته على الجماهير وكانت رسالته تحمل رفضاً للانصياع لأيّ شروط ، كما أكدت رسالته على أنهم لم يسلكوا طريق العنف إلا بعد أن سُدّت أمامهم جميع طرق المقاومة . وأعلن أنه برغم عدم إدانته للعنف ، فإن العنف لن يُوجِد حلاً للوضع في جنوب أفريقيا .

عام 1988 أقر الكونجرس الأمريكي قانون مقاطعة شاملة.

وفي 2 فبراير عام 1990 أعلن رئيس جنوب أفريقيا "دي كلارك" إلغاء جميع مظاهر الفصل العنصري والإفراج عن السجناء السياسيين . 

وبحد وصف مانديلا تغيرت الحياة في جنوب أفريقيا في ليلة واحدة .

وبعد إطلاق سراحه أرسل رسائل تطمين للبيض

وبَيَّنَ أهمية وجود البيض في أي نظام جديد .

وبدأت مسيرة إعادة بناء الدولة ، وأثبت السود المتهمون بالتخلف والإرهاب أنهم أكثر تحضراً من البيض أدعياء التفوق الجنسي ، وقادوا البلد بقدر كبير من التسامح والعقلانية .

ومازالت مسيرة الكفاح مستمرة، ودروسها قائمة لمن أراد أن يتعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين