أمتنا والتجديد - الخطاب النهضوي

 

أمتنا والتجديد

بقلم: حسين عبد الهادي

إن الدعوة إلى التجديد في واقع الأمة شعار طرحه الكثيرون، ونحن نرى أنه لابد من تصحيح التصور أولاً، وذلك بالقدرة على رؤية الخطوط الإسلامية متواصلة متوازية لا يصطدم بعضها ببعض، وذلك حتى لا نقع في تفسيرات غير عقلانية وبالتالي غير إسلامية.

ولأجل تحقيق هذا الهدف لابد من تخليص العقل من التركيز على النظرة الجزئية، لأن التركيز عليها يؤدي إلى آفات عقلية ليس أقلها العجز والانحسار، وبالتالي تؤدي إلى قتل الإبداع، ويوقع في التقليد، ويحرم صاحبه من الاستفادة من جهود الآخرين.

لابد من ثقافة عامة ونظرة شمولية، وعقل مرتَّب متوازن قادر على النظرة العامة إلى جانب التخصص العلمي.

فالعلم شيء والثقافة التي تستطيع توظيف هذا العلم شيء آخر.

إن الإبداع هو قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة تحدث تغييرا في الواقع وهذه العلاقات الجديدة ليس في الإمكان تكوينها من غير عقل ناقد لعلاقات قائمة، أي إنه من غير البحث عن الجديد ليس ثمة مبرر للنقد، وتَقْدُ العلاقات القائمة، لا يتم إلا في إطار الثقافة التي أفرزت هذه العلاقات، ومن هنا يمكن القول بأنه ليس ثمة انفصال بين العلم من حيث هو إبداع، والثقافة من حيث هي معوق للإبداع لأنها تمثل واقعاً مستقراً، وهذا يعني أن الإبداع هو المعبِّر للثقافة، وهو المحور الذي تدور عليه مهارات التفكير.

ومن هنا فإن الإبداع كمحور لعملية التجديد من شأنه أن يغير الفكر التقليدي، ومن هنا كان لابد من بناء عقلية البرمجة والتخطيط، ودراسة الأسباب، وحصول النتائج، واكتشاف مواطن الخطأ و العجز.

لقد ادعى العلمانيون أن الخطاب النهضوي الغربي في حقيقته خطاب في تجديد العقل العربي وهذا التجديد، أو التحديث ـ كما يقول العلمانيون ـ يفترض المعارف الجديدة، والنقد العقلاني الحر، والعلوم الوضعية أساساً له.

ومن هذا المنطلق كتب طه حسين في الشعر الجاهلي ليتوصَّل ـ على حد زعمه ـ إلى العقلانية، والبحث العلمي، والمنهج التاريخي، في الفكر الغربي المعاصر.

وكتب علي عبد الرازق "الخلافة وأصول الحكم"، ليتوصل للديمقراطية على حد زعمه، وكرّس إسماعيل مظهر جهده للكتابة عن فلسفة النشوء والارتقاء لاعتقاده بأنها تفسر قصة الخلق على أساس علمي.

وبعد أكثر من قرن من الصراع المرير سقطت هذه الأفكار و الطروحات، وكان هذا السقوط يمثل ضربة قاصمة لهذا التيار ودوره في قيادة المجتمع الغربي. وكان هذا السقوط أيضاً لطمه قاسية لطموحات الأجيال العربية المعاصرة التي رأت حصيلة قرن من الجهود التحديثية تنهار أمامها دفعة واحدة، وتنهار معها أحلام الوحدة والديمقراطية، والحريات السياسية، ومشاريع التنمية وتحرير فلسطين، والتخلص من التبعية الاقتصادية للغرب، مما أوقع الأجيال في محنة البحث عن اليقين.

والحقيقة أن أيديولوجية الحداثة ومجتمعها النخبوي كانت من العوائق الرئيسية أمام حركة التجديد والتغيير المبتغاة.

وأرى أن تجديد البعد العقلي هو مراجعة الذات ونقدها، وإعادة النظر بالمفاهيم والنظم والعقائد التي سادت منذ بداية القرن الماضي.

إن الشعب العربي نتيجة هذه التجربة الفاشلة فقد حرية البحث والمناقشة والمشاركة في تقرير مصيره، وأصبح في حالة اغتراب كاملة عن واقعه وعن عالمه الذي يعيش فيه.

ولنا وقفة ضرورية وهي: لابد أن نفرق بين ما يسود العصر وما يحتاجه العصر.

إن كان واقع العصر هو الحاكم فإن الإصلاح والتجديد سيكون منتهاه تحريف الدين، كما فعلت الحركات الإصلاحية في أوروبا النصرانية.

أما إذا كنا نبحث عن حاجة العصر فإن ما ينقص العصر وما يحتاجه من تصحيح وعلاج يجد دواءه في الإسلام، سواء كان هذا الإصلاح للواقع النفسي أو الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي.

فعلينا أن نصحح الفكر والمسار، إذا أردنا التجديد، ولا نغلب العصر على النص، وإنما. تخضع العصر منهجاً وسلوكاً لهذا لدين إذا أردنا فلاحاً ورشاداً.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين