تجديد الفكر الاجتهادي (4) 

-8-

تطوير مباحث مقاصد الشريعة 

أ- مسألة أخرى تتمثَّل في تطوير مَباحث مقاصد الشريعة، فمنذ كتاب الموافقات للشاطبي الذي يُعتبر قفزة في تاريخ المقاصد كتب كل من الطاهر بن عاشور، وعلَّال الفاسي في منتصف هذا القرن ثم تجدَّد الاهتمام فصدرت خلال السنوات العشر الأخيرة عدة كتب وبحوث ومازال الاهتمام مُتواصلاً.

ب - وقد كتبت في الآونة الأخيرة كتاباً هو الآن قيد المراجعة تمهيداً لنشره تناولت فيه المسائل التالية [بالإضافة إلى فصل عن تفعيل المقاصد سنشير إلى محتواه فيما بعد]:

1- التفرقة بين مقاصد الخلق ومقاصد الشريعة ونتائج هذه التفرقة.

2 - محاولة صياغة مقاصد الشريعة العالية.

?- اشتمال المقاصد على مجموع رتب الضروري والحاجي والتحسيني وتعلق هذه الرتب بالوسائل وليس بالمقاصد.

4 - افتقاد الدراسات القانونية لمباحث المقاصد وافتقاد الدراسات الشرعية لمباحث وظيفة القانون في تنظيم المجتمع ومدى تدخُّل الدولة في حريَّات الأفراد.

5- محاولة تطوير الكتابة في المقاصد الخاصَّة المتعلقة بأقسام الشريعة أو بالعلوم الحديثة. 

6 - محاولة تحديد دور العقل في تحديد المقاصد.

?- تطوُّر فكرة حصر الكليات في خمس وإضافة المقاصد الاجتماعيَّة.

?- بحث ترتيب المقاصد الكلية فيما بينها وإشكاليات هذا الترتيب.

?- محاولة البحث عن معيار اعتبار حكم معين أو وسيلة معينة من مرتبة الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات، وملاحظات تطبيقية.

10 - إنَّ المراتب الخمس لا ثلاث ، بإضافة ما دون الضروري وما وراء التحسيني وآثار ذلك.

11- نسبية تحديد الوسائل وتسكينها في المراتب بحسب الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وأمثلة تطبيقية.

?? - إزالة اللبس الخاص بالنسل والنسب والعرض، ووضع كل منها في موضعه المناسب.

?? - تحديد المقاصد في إطار أربعة مجالات تختص الكليات الخمس بمجال الفرد، وإضافة مقاصد لكل من الأسرة والأمَّة والإنسانيَّة.

- 9 - 

الاستدلال بالمقاصد 

أ- مسألة أخرى تتعلق بالاستدلال بالمقاصد عن طريق المصالح المرسلة ولتوضيح الصورة نضرب بعض الأمثلة:

1- أصل حفظ العقل بتحريم شرب الخمر يمكن نقل حكمه بطريق القياس العادي الى باقي أنواع المسكرات بجامع الإسكار في المقيس عليه وهو الخمر وفي المقيس وهي الأنواع الأخرى. 

?- باستخدام القياس الواسع بأسمائه المختلفة التي أشرنا إليها يمكن أن نترك علة الإسكار ونصعد إلى حفظ العقل فننقل حكم التحريم إلى كل ما يؤثر في العقل - وإن لم تسكر - كالمخدرات.

ويمكن أن نتوسَّع أكثر فننقل حكم التحريم إلى كل ما يضر بالعقل كالخرافات، والشعوذات، وعمليات غسيل المخ، وتقليد الأسلاف دون برهان ...

?- باستخدام النصوص العامَّة التي تمنع الضرر كحديث (لا ضرر ولا ضرار) يمكن أن نصل الى حكم التحريم لهذه الصور دون الانطلاق من نص تحريم الخمر، وبالتالي نكون قد تركنا طريق القياس بصورته العادية والواسعة.

4- باستخدام آلية المصلحة المرسلة - والابتعاد أيضا عن آلية القياس بصورتيه، يمكن أن ننطلق من مقاصد شرعية عرفت بأدلة كثيرة لا حصر لها أو مندرجة تحت أصل غير معين دون معارض لها، كمقصد تكوين العقلية العلمية والاستدلال العقلي وطلب العلم، والتفكر والنظر ... الخ

ب - وهذه الطريقة المصلحة المرسلة - ينبغي في تصوري تطويرها بصورة عامة - دون انتظار واقعة جزئية نبحث عن حكمها الشرعي - من خلال مراحل عملية معينة توصلاً إلى عملية تنظير شاملة على النحو التالي:

1- التعرف إلى المقاصد التي تنطبق عليها الشروط التي أشار إليها الغزالي (??) بدرجتيها: ما عرف بأدلة كثيرة لا حصر لها ووقع موقع القطع وما عرف ولو بأصل غير معين ولم يعارضه مُعارض مقطوع به.

? - أن تصف هذه المقاصد وتركب في بناء فكري تجمع فيه الأشباه والنظائر وتقسم إلى مجموعات وفقاً لموضوعاتها حسب تقسيمات الكتابات الفقهيَّة المعاصرة حتى تستبين معالم التصوُّر الشرعي في كل موضوع. 

3 - أن تضاف إلى كل مقصد من هذه المقاصد الوسائل الموصلة إلى تحقيقه ويُستعان في ذلك بأدوات العصر وأساليبه التي لا تتعارض مع أصلٍ شرعي.

4 - أن تضاف إلى مقاصد ووسائل كل مجموعة ما يخصها من القواعد الشرعية، وكذلك القواعد الشرعية العامَّة التي تنطبق عليها، وتعتبر هذه القواعد بنوعيها جزءا أساسياً من هيكل بناء كل مجموعة لأنها تمثل الأحكام الشرعية المتوصل إليها بالأدلة الشرعية الأخرى.

و – أن يتم بناء نظرية متكاملة في كل مجموعة تصلح للتفريع عليها والاستمداد منها بما يحقق التوصل إلى المقاصد وينسجم مع القواعد في نسيج واحد.

6 - وفي خصوص المقاصد الخاصة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والكونية، أن يضاف إلى المرحلتين 4-5 ما يخص كلا من هذه العلوم :

من السنن الإلهية المتعلقة بموضوعه 

ومن الحقائق العلمية اليقينية التي توصل إليها العلم وذلك حتى يكون بناء نظرية كل علم مشتملة على جميع العناصر المعيارية والموضوعية الخاصة به، ويدخل في العناصر المعيارية:

التصور الإسلامي لله عزَّ وجلَّ والكون والإنسان والحياة. 

القيم الأخلاقية العامة، والخاصة بكل علم.

مقاصد الشريعة الخاصة بالعلم. القواعد الشرعية الضابطة للعلم.

-10-

علاقة أصول الفقه بالعلوم الأخرى 

مسألة أخرى خاصة بعلاقة أصول الفقه بالعلوم الأخرى، وقد كان الغزالي يعتبر علم الكلام هو أعلى العلوم: هو العلم الكلي وباقي العلوم من الفقه والأصول والحديث والتفسير جزئية.

والذي نراه أن علم العقائد – وليس علم الكلام - هو أعلى العلوم، يليه القيم الأخلاقية العامَّة، ثم النظرية العامة للشريعة شاملة علم أصول الفقه، ثم تأتي باقي العلوم الشرعية وغير الشرعية، مع ما ينتج عن هذا الترتيب من تأثير العلم الأعلى على العلم الأدنى منه مرتبة

وقد فصلت الكلام في هذه المسألة في كتابي (النظرية العامة للشريعة) ص ?? إلى ??

-11-

تجديد تبويب مادة أصول الفقه 

المسألة الأخيرة خاصة بتجديد تبويب مادة علم أصول الفقه، وقد أجريت محاولة في هذا الاتجاه في كتابي المشار إليه (النظرة العامة للشريعة) لم أقتصر فيها على تغيير التبويب أو إضافة موضوعات جديدة، بل امتدَّت لأكثر من ذلك إلى التفرقة فيما يُعرف بأدلة الأحكام بين المصادر الكتاب والسنة والمناهج كالقياس والاستصلاح والأدوات كالعقل واللغة.

خاتمة

أ- هذه بعض أهم النقاط التي يدور حولها ما يُطلق عليه البعض تجديد أصول الفقه أو الاجتهاد في أصول الفقه، وهي كما نرى مسائل مشروعة لا نرى مبرراً لانزعاج من بحثها كما يحدث لكثير من العلماء المعاصرين.

ب - والذي يثيره بحث مثل هذه المسائل في نظرنا - بعد تعميق البحث فيها وليس قبل ذلك - هو طرح السؤال التالي: هل يظل إطلاق اسم أصول الفقه على هذه المباحث مطابقاً لمضمونها أم يكون الأولى البحث عن اسم جديد؟

والذي نراه مبدئياً هو أن نتيجة البحث هي التي ستحدد الإجابة عن هذا السؤال:

1- فإن كانت محصلة التجديد جزئية فلا بأس من استبقاء اسم علم أصول الفقه وتعريفه التقليدي بأنه العلم بالقواعد التي ترسم المناهج لاستنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية، إذ يتسع هذا التعريف للتجديدات الجزئية داخل العلم.

?- أما إذا كانت محصلة التجديد كليَّة وشاملة فنرى في هذه الحالة الحاجة إلى إنشاء علم منهجي جديد تكون أصول الفقه جزءاً منه.

3 - وقد تدعو الحاجة إلى ما هو أبعد من ذلك وهو اندراج علوم المناهج (مناهج الأصوليين ومناهج المؤرخين ومناهج الفلاسفة وغيرها) في علم واحد مع احتمال إضافة مناهج جديدة ...

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

المصدر: مجلة قضايا إسلامية معاصرة ، 1421 - العدد 13 

الحلقة السابقة هــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين