يتكلّمون عن

ما تزال وسائل الإعلام تطالعنا، بين حين وآخر، بأناس من أبناء جلدتنا، يعيبون علينا أننا مسكونون بثقافة العيب، وأن هذه الثقافة تكمّم أفواهنا، وتقزّم طموحاتنا، وتقتل روح الإبداع في نفوسنا.

ونحن هنا لا نريد أن ندافع عن ثقافتنا، بحُلْوها ومُرّها، وخيرها وشرها، وإنما نريد أن نوضّح الأمور، حتى لا تختلط الأوراق، وحتى لا نُستغفَل ونقع ضحية الانبهار بثقافة "الآخر"، والشعور بالمذلّة والخضوع والانهزام أمام جهالة السفهاء.

نذكّر أولاً أن لكل شعب ثقافته التي لا تخلو من سلبيات، إن لم يكن ذلك في نظر أبناء هذه الثقافة نفسها، فمن أبناء الثقافات الأخرى. وليس من الصواب أو الإنصاف أن نشعر بالعار إذا تعرّضتْ ثقافتنا لانتقاد من أبناء ثقافة المتغلّب! أو من المبهورين بثقافته.

ونقول كذلك: لكل ثقافة معيار للصواب والخطأ في السلوكات الاجتماعية. فمَن تناول الطعام على غير الطريقة السائغة في إحدى الثقافات، أو تعامل مع الجنس الآخر بغير الأساليب المستساغة في تلك الثقافة، أو حضر احتفالاً بغير اللباس المناسب في تلك الثقافة، أو تلفّظ بعبارات غير لائقة... فقد ارتكب عيباً!.

نعم، ما يُعَدّ لائقاً في مصر قد لا يكون لائقاً في بريطانيا، وما يحلو من سلوك في سويسرا قد لا يحلو في العراق. وكما لا ينبغي أن نعيب على أهل بريطانيا وسويسرا مخالفتهم قواعد السلوك في مصر أو العراق، لا ينبغي كذلك أن نعيب على أهل مصر والعراق إذا كانت معايير السلوك عندهم مخالفة لما عند الآخرين.

إن ثقافة كل شعب تمثّل هويّته، وليس عليه أن يتخلّى عن هذه الهوية مجاراة لهوية غيره.

ونعود إلى ثقافة شعوبنا، الإسلامية أو العربية، لنسجل لها، أو عليها، بعض الملاحظات:

- ليس كل ما في ثقافتنا صواباً، وليس كذلك ما عند الأوروبيين والأمريكيين هو الصواب.

- إننا منذ الغزو الاستعماري العسكري لبلادنا، ثم الغزو الثقافي، أصبحت ثقافتنا مختلطة مضطربة. ففي البلد الواحد، وربما في الأسرة الواحدة، نجد معايير للسلوك متعددة، وذلك بسبب الروافد التي خالطت هذه الثقافة، فقد أصبح العالم، كما يقال، كالقرية الواحدة، والأقوى فيها أو المتغلّب يعمل على فرض ثقافته على الآخرين، والآخرون يتأثرون بقدر ما تضعُف نفوسهم أمامه.

- إن أهم معيار ينبغي أن نأخذ به في تقويم سلوكنا إنما هو موافقته لشرع الله تعالى، وليس موافقته أو مخالفته لثقافة الآخرين. فهنا ينبغي أن نقسم عاداتنا وأعرافنا إلى مستويات:

مستوى أمر به الشرع، كالتزام صيام رمضان، والامتناع عن الخمر والزنى ومقدّماتهما... فهذا ينبغي التمسك به، ولا يضرّنا من خالفنا.

ومستوى ينسجم مع ما أمر به الشرع ويعزّزه، كالحياء من ذكر العلاقات الجنسية. وهذا نتمسك به كذلك، ولا ندعُه إلا لحاجة حقيقية.

ومستوى هو من المباحات، كمعظم العادات المرتبطة بالخطبة واحتفالات الزواج وأصول الضيافة... فهذا لا نتعيّر به إذا خالف عادات الآخرين، لكننا لا نعُدّ التمسك به واجباً، بل يمكن أن نَدَعَه أو نبدّله إذا وجدنا في ذلك مصلحة ما.

ومستوى رابع هو مخالف لشرعنا، سواء ترسّخ عبر الأجيال، أو وَفَدَ إلينا مع ما وفد. وما أكثره!. ومن أمثلته أن تُرغم البنت على الزواج ممن لا ترغب، أو أن تُحرم من الميراث، أو أن نغالي بالإنفاق في بعض المناسبات، مجاراةً للمجتمع، ونقع في الديون.

فهذا هو الذي ينبغي أن نشعر بالعار إذ نمارسه. وينبغي أن نتخلّص منه بقدر استطاعتنا. وإذا وقعنا فيه، تحت ضغط المجتمع الذي اختلطت فيه الثقافات، وغلبت عليه الثقافة الخاطئة، فلنعترف أننا أخطأنا، ولنعزم على التوبة والاستغفار.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين