وصفة علاج .. أوصي بقراءتها مرتين

يسألني شاب واللوعة تملأ نفسه ..

يقول: أنا شاب أصلي وأقرأ القرآن وأستغفر الله وأساعد أهلي ولا أوذي الناس ..

لكن الدنيا أغلقت أبوابها في وجهي .. فلا شغل ولا زواج، وديون متراكمة، وأفق مسدود .. حتى باب الهجرة مغلق .. فمتى يأتي الفرج .. وهل هنالك فرج أصلاً .. ولمَ يفعل الله بي هكذا .. ولي صديق غير مسلم ولكن رزقه طيب وهو سعيد في حياته .. لقد دخل في نفسي الشك في قدرة الله وعدله ..!!

أجبته: أعانك الله وسددك وبارك لك وشرح صدرك ورزقك .. وإنني أوصيك بما يأتي:

- كن على يقين بأن رزقك المقسوم لك سيأتيك ولو بعد حين .. فلن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها.

- تذكر أن مشكلتك ومشكلتي ومشكلتنا كلنا واحدة .. فكلنا يعاني، ولكن منا من يعاني بصمت يوشك أن يفلق كبده، ومنا من يصيح ولا أحد يسمع صيحته .. ولكن تأكد أن مشكلتنا ليست مع خالقنا ورازقنا .. بل هي مع عصابة من اللصوص وحيتان السياسة والاقتصاد .. فرزق الله نازل، ولكن تتلقفه أيادي هؤلاء فتحبسه عني وعنك .. وما من جائع إلا وراءه طامع .. فإن كان من كفر وشك فالواجب أن لا يكون في الخالق الرازق، وإنما في هؤلاء اللصوص الذين نعطيهم ثقتنا ونجدد لهم ولاءاتنا وهم سبب بلاءاتنا.

- ثم من قال لك : إن الله يقايض طاعتنا له برزقه لنا فقد كذب عليك .. لأن الدنيا كلها لا قيمة لها عند الله .. ولو كانت تساوي عنده جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء .. فلا تقل: لماذا يعطي الله الكافر ويمنع المؤمن ؟؟ لأننا كلنا في دار اختبار .. ومثلما سيسألنا الله عن صبرنا على المنع، سيسأل الكافرين عن شكرهم على المنح .. فإذا رسبنا في امتحان الصبر فإننا سنتساوى معهم لأنهم رسبوا في امتحان الشكر.

- هل نسيت أن الرزق له صور متعددة فالإيمان رزق، والصحة رزق، وهدوء البال رزق، والأمن رزق، وذكر الله والإلهام للعمل الطيب رزق .. ولن يستمتع بالمال من حرم تلك الأرزاق حتى لو أظهر لك خلاف ذلك (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا).

- وهل ترى أننا أدينا شكر النعمة القائمة حتى نستعجل تحصيل النعمة القادمة .. إن شكر النعم دَين في رقابنا. 

- إذا كنت تؤمن بوجود الله فمن مقتضيات إيمانك بوجوده أن تؤمن بقدرته .. ستقول أنك مؤمن بوجوده وقدرته لذلك فإنك تسأل: لماذا لا يرزقني إذا كان موجودا وقادرا على رزقي؟ .. وهنا أذكرك بأن وجود الله لا يقتضي قدرته فحسب بل يقتضي كذلك حكمته .. فهو قادر على ما يشاء بترتيب يراه هو .. والخيرة فيما يختار لنا لا فيما نختار نحن لأنفسنا .. (إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) .. وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم .. وهو من هو في تقواه وحسن علاقته بالله .. عاش الفقر والجوع والأذى والحصار والتشريد والطرد ... ولم يقل: ليش يا الله انا من دون هالناس .. أو ليش بتحرمني وبتعطي أبو جهل وكفار مكة ويهود المدينة .. بل كان يقول: إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي.

- وهل نسيت أن حياة الإنسان تنقسم إلى قسمين .. قسم محدود البداية والنهاية .. قصير مهما طال .. متعته وشقاؤه لا تدوم .. وهو قسم الحياة الدنيا وفيه يكون الاختبار (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) .. وقسم فيه الخلود في النعيم أو الشقاء المقيم .. فلا تعب ولا شقاء ولا تكدير .. بل لذة متجددة غير مقطوعة ولا ممنوعة لمن نجح في اختبارات الصبر والشكر .. أو شقاء وتعب وحريق وسعير وزفير متجدد لا يتوقف لمن رسب في تلك الاختبارات .. وليس في الامر تجريب لأن الإنسان لا يُمنح الا فرصة واحدة .. وبحسب نظرية الاحتمالات (لمن عنده شك) فإنه إما أن يكون هنالك قيامة فيها جنة ونار أو لا .. فإن كانت موجودة فسيربح المؤمن ويخسر الملحد والكافر .. وإن لم تكن موجودة فلن يخسر المؤمن ولن يربح الملحد والكافر. 

- وأخيرا:

هل إلحادك وكفرك واعتراضك على الله وخروجك من الملة سيحل مشكلتك .. إن كنت تجد يقينا أن في ابتعادك عن الله حل لمشكلتك فلا تتأخر .. بل أعلن إلحادك وخذني معك .. ولكنني أراك وأنت تعتب وتلوم على الله وتريد ترك دينه وشريعته كمن يريد أن يكحل عينه فأعماها .. أو كمن يريد تناول الدواء فتناول الداء .. (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) .. وهل تفكيرك في قتل نفسك والخلاص من الحياة سينهي مشكلتك؟! .. بل سيزيدها لأنك بالانتحار تثبت أنك رسبت في امتحان الصبر على البلاء واستعجلت الخروج من قاعة الامتحان قبل الاجابة على جميع الأسئلة .. فالرسوب صار حتمي بالنسبة لك ولا داعي لانتظار النتائج مع المنتظرين ..

فليس لك إلا أن تحرص على ما ينفعك وأن تأخذ بالمتاح والمباح من أسباب الرزق .. وأن لا تتعامل مع الله على سبيل التجريب فالله تعالى لا يُجرَّب .. وأن تستعين بربك متضرعا مضطرا إليه، واثقا بقدرته وحكمته .. فمن يتوكل على الله فهو حسبه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه (ولو بعد حين) من حيث لا يحتسب .. ولا تنس أن تدعو بالهداية أو الهلاك على كل ظالم وفاسد سمح لنفسه أن يأكل حقك وحقوق العباد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين